أكرم القصاص - علا الشافعي

محمود حمدون يكتب: مرزوق

الأحد، 03 سبتمبر 2017 04:00 م
محمود حمدون يكتب: مرزوق صداقه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أقسى الحياة وما أشد سخرية الواقع، عبارة كان "مرزوق" يرددها لنفسه ليل نهار، ونحن بدورنا كنا نهمس بها سرّا أو نتندر بها علنا فى وجوده .

" مرزوق" صديق الجميع فى الحى، البشوش الضاحك خفيض الصوت الخجول، نأنس به ودائما له مكان بيننا ومكانة لا تُنتقص بمرور الوقت .

وقد عجبت من إصرار أصحاب الحوانيت وتجّار الحى على التقرّب من "مرزوق" والتوددّ إليه والحرص على مجالسته ودعوته بإلحاح لقبول دعواتهم لتناول القهوة أو الشاى معهم، كلما مرّ من الشارع يتكالبون عليه كذباب يقع على قطعة حلوى، منظر دهشت له كثيرا وضحكت منه قليلا، ثم بحثت عن السبب فهؤلاء بينهم وبين الكرم والجود قطيعة وخصومة مقيمة، وما يفعلونه مع "مرزوق" يخرج عن حدود المعقول ويقع بباب اللامنطق .

ذهبت لحكيم الحى وهو رجل عاطل منذ عشرات السنين وبينه وبين الفقر نسبا ومصاهرة، فآثر الانشغال بالنظر فى الحياة والتفلسف بضغط من زهد فُرض عليه فرضا، سألته تفسيرا لظاهرة التكالب على دعوة "مرزوق" فقال :

الحكمة واضحة وبسيطة، "مرزوق" شخص حباه الله منحة لم تتوافر لغيره من أبناء الحى أو أقرانه، كلما حطّ بمكان إلاّ وكان الرزق يسعى حثيثا فى إثره، فإن ذهب لمكان قفر وجدت الناس تتهافت عليه ويزدهر الحال فيه بعد جدب، وقد قرأ بعض العارفين القدامى بالحى هذه الحالة لدى "مرزوق ."

فتبنّاه البعض فكنت أجده يجالس تاجرا بعينه طوال النهار والزحام على حانوته لا يُطاق، والفتى لا يدرى ماذا وراء المجالسة أو الحفاوة البالغة، حتى وشى أحدهم بالسر بين تُجّار الحى فكان صراع بينهم شديد وحرص أشد على صون السر وعدم خروجه من بينهم، فكان أن تقاربت حوانيتهم وتداخلت تجارتهم حتى إذا جالس "مرزوق" أحدهم عمّ الخير على الجميع، وتوافدت الزبائن عليهم كفراش تتهاتف على نور ساطع .

وذات يوم نما الخبر إلى "مرزوق"، وأدرك أن صحبتهم له بغرض وأن تودّدهم إليه لمصلح،ة خاصة بعد أن أسرّ الواشى له، بأنهم يرونه نكرة لا قيمة له إلاّ من منحة وُضعت لديه وسيأتى يوم تضمحل وينتهى وجوده بينهم .

ركب الهم "مرزوق" وتناوشته الظنون وعرف ما كان خفيّا عليه عشرات السنين من حياته، وأدرك كم كان ألعوبة بيد الجميع، فعزم على التخلص من حياته رفضا لمنحة لم تجلب عليه سوى شقاء .

خرج متدثرا بظلام الليل مستترا بالجدران حتى وصل للميدان الكبير، فتنسم بعض من هواء نقى ثم سار طويلا حتى وصل قبيل الصحراء، وتوغّل يحمل همه على كتفيه غير عابئ بخطر متجاوزا خوفه .

 وصل لنقطة تنقطع فيها السيارة وتصمت الريح، مكان مظلم قفر دخله بقدميه آملا فى نهاية سريعة لحياته، ليجد فى انتظاره عشرات العيون المنتظرة والأفواه الجائعة أبدا زمرة من ذئاب تكاد تهلك من ندرة الطعام، رأته مقبلا فرفعت جميعها حناجرها بعويل طويل للسماء أقرب لأهازيج الفرح وكأنما تشكر السماء على منحة طعام وصلت فى وقتها .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة