سامح جويدة

بين تجديد التراث وتحطيم الذات "4"

الجمعة، 29 سبتمبر 2017 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حاولت فى المقالات السابقة توضيح خطورة القضايا الدينية المغلوطة والملفقة التى تثار بشكل مكثف ومتعمد فى الإعلام تحت دعوى تجديد التراث والخطاب الدينى، قلت إن محاكمة قدماء المفكرين الإسلاميين على أحكامهم الفقهية أو السياسية والاجتماعية لا تجوز فى الوقت الراهن، فلا هذا زمانهم ولا هم مسئولين عن مصائب الإرهاب والأخلاق والانحطاط الحضارى الذى نعيشه الآن، وإننا نتعمد إثارة الجدل والخلاف فى قضايا انتهت من زمن لنهرب من مواجهة مشاكلنا الحقيقية، ولا يقصد من إثارة هذه الأحكام المتهالكة القديمة إلا تكسير ثوابت الأمة وزعزعة الثقة فى أركانها وجذورها فبدلا من أن تتفرغ أجيال المستقبل للتفكير فى علوم الفضاء والجينات والذكاء الاصطناعى يقضون وقتهم فى الجدال حول ذمى ومسيحى وكافر وهل يرى المسلمون أن المسيحيين كفار وهل لا يعترف المسيحيون بالإسلام ! . 
 
هذا الجدل الأحمق لا يؤدى إلا للفتن وإلى انهيار الدول والمجتمعات الآمنة، لذلك يجب أن تخلوا محاولات تجديد التراث والخطاب الدينى من هذه المهاترات وان ترتقى الى مستوى الاجتهاد وتبجيل العلم الشريف الذى يعملون فيه، وأن يتم نقد الأفكار والأحكام السابقة بما يستحقه أهلها من احترام ووقار لا بسخرية وسباب كما يحدث الآن وأن نساعد الرأى العام على تقيم الأحكام والقضايا الدينية تبعا لطبيعة الزمان ومتطلبات العصر وقواعده، فبدلا من المطالبة بعدم تدريس أحكام الجهاد عند قدماء المفكرين الأسلاميين يمكننا ان نشير لها والى ظروف نشأة الحضارة فى ذلك الوقت التى كان أساسها القتال بين الناس والعشائر والأمم، وأن القدماء شرحوا آيات الرحمن من هذا المنطلق الذى فهموه وعاشوه ولم يعرفوا غيره وأن التدرج فى الحضارة وفى الرقى الإنسانى أدى إلى عدم ملاءمة هذه الأحكام لعصرنا الحاضر، وأن علينا أن نرسم للجهاد فى سبيل الله منهج جديد يعتمد على التواصل السلمى مع الآخرين وعلى التنافس مع الأمم الأخرى فى الرقى بالأخلاق والأفكار والعلوم وأن نكون رواد العصر وأعلى رموزه فى شتى مناحى الحياة وفيما ينفع الناس ولا يضرهم . 
 
نحن هنا نقدم رسالة واضحة وصريحة ومحترمة بدون سب وقذف وسخرية من قدماء رجال الدين او ابتذال فى الشرح وفى تصيد الغريب عنا من أفكار السابقين، وليتنافس المفكرون والأئمة ورجال الدين فى تقديم معنى معاصر للجهاد وسوف يكونون بالطبع اكثر منى علما وتجويدا فى ذلك، مشكلة الكثيرون من دعاة التجديد الآن إنهم يعتقدون أن تجديد الخطاب الدينى الحالى يعتمد على التجريح والتكسير فيما قبله واتهام اهل العلم فى تلك الفترات بالتوحش والجهل والعنصرية وما إلى ذلك من الصفات الكاذبة التى لا تليق ولا تفيد، وتراهم يصرون على أمثلة ساذجة وشاذة اجتلبوها من صفحات التراث أو اقتطعوها من نصوصها وفحواها، بل تجاهلوا ظروف وتاريخ ظهورها رغم أن كل هذه المسائل والأمثلة قد رد عليها عشرات بل مئات المفكرين الإسلاميين وقتها أو بعدها إلا أنهم يتجاهلون الردود كلها كأنهم يتعمدون التشويه لا الإصلاح . 
 
تجديد الخطاب الدينى وتطوير التراث يحتاجون الى إعادة الاجتهاد والتفسير والتفكير، يحتاجون إلى رجال مخلصين فى علمهم وليسوا متخصصين فى توفير مادة خصبة للجدال فى الإعلام، لان البلبلة التى يصنعها الكثير منهم الآن فى أذهان هذا المجتمع الذى تشكل الأمية والجهل أغلبية فيه لم تجدد الخطاب الدينى بقدر ما أفسدته، فأين نحن من علماء جمعوا الناس تحت قناعات العقل والمنطق من علماء هذه الأيام الذين قسموا الناس إلى تيارات وأهواء وفصائل، ثم لماذا هذا الاهتمام المريب من الإعلام بهذه القضايا الخلافية الشاذة وكأن المجتمع خلا من المشاكل والقضايا الحياتية والاقتصادية الجادة وتفرغ لأحكام نكاح الأحياء للأموات أو اغتصاب الأزواج للزوجات أو زواج الأطفال قبل البلوغ، ما هذا التدنى والبله الذى نشغل به عقول الناس وبعد ذلك نتحسر على حالنا وحضارتنا وحاضرنا المتخلف البليد الجاهل المريض .






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة