من جديد، تعاود درجات الحرارة فى الانخفاض بعد أن وصلت ذروتها فى شهر من أطول أيام العام، يدفع الناس فيه للهروب من حبس الأنفاس بالبيوت إلى تنفس الصعداء بالشواطئ والمتنزهات. كما يدفع الناس أيضًا دم قلوبهم فى تلك الخروجات وفى فواتير الكهرباء إذا ما قرروا تشغيل أجهزة التكييف بمنازلهم لتلطيف الجو.
من جديد، يعود شهر سبتمبر لتبتعد حرارة الصيف وتقترب رائحة هواء الخريف. تلك الرائحة التى ما إن نستشعرها فنتذكر "أول يوم مدرسة"، ليبدأ عام جديد طبقًا للتقويم الدراسى وسط شائعات دائمة بتأجيل الدراسة عن موعدها المعتاد. لا أدرى إذا كانت الدراسة فى هذا العام سيتم تأجيلها فعلاً أم أنها شائعات.
أول يوم مدرسة، كلمات تذكرنى بأول مشهد للسمكة نيمو فى النسخة المدبلجة بالعربية من الفيلم الكرتونى "البحث عن نيمو"، وهو يقفز فرحًا فوق أبيه الكسول مناديًا عليه "اصحى أول يوم مدرسة أول يوم مدرسة". فرغم أن المشهد يعكس فرحة الأبناء بأول يوم مدرسة والتى لا يضاهيها إلا فرحتهم بآخر يوم امتحانات، إلا أنه يخالف الواقع تمامًا كنا صغارًا نفرح بقدوم هذا اليوم كفرحتنا بالعيد، ونستعد له من المساء بتحضير ملابسنا الجديدة وتلميع أحذيتنا بما فى ذلك النعل رغم أنه لم يطأ الأرض مسبقًا ثم ترتيب حقيبتنا وأدواتنا المدرسية قبل الاستحمام والذهاب للنوم مبكراً. ولكن من شدتها، كانت فرحتنا دائمًا ما تُطير بالنوم من أعيننا لنستيقظ فى الصباح الباكر بشق الأنفس على صريخ أمهاتنا "إصحوا" مع تهديداتهن الصريحة "وإلا هناديلكم أبوكم يصحيكم فنقوم مفوزعين".
أول يوم مدرسة تبدأ الأم كفاحها اليومى مبكرًا ما بين مساعدة أبنائها فى ارتداء ملابسهم وبين حرصها على تناولهم لوجبة الفطور . فرغمًا عن أنفك وأنف أمك أيها الابن فلن تخرج من بيتك إلا بعد أن تنتهى من سندوتش البيض المسلوق وكوب الحليب الساخن فى الوقت الذى فيه تكون الأم قد أعدت لهم الوجبة المدرسية من قطع فاكهة وخضراوات بشكل أساسى، مع سندوتشات من الدجاج أو الكفتة أو الجُبن على سبيل التنويع، وكل هذا يتم رصه بحقيبة مخصصة لحفظ الطعام يُطلق عليها "اللانش بوكس". وللعلم فإننى لم أدرك تلك الحقيبة إلا قرب الثلاثين من عمرى، عندما ألزمتنى طبيبة التخسيس بتناول وجبة الغذاء عصرًا فى العمل بدلاً من تأجيلها إلى المساء لحين عودتى إلى المنزل. أما أيام المدرسة فبدلاً من "اللانش بوكس" كنا نستخدم "الكيس البلاستيك" وهو ما يتناسب مع سندوتشات الجبنة والفول المدمس بالإضافة إلى الخيار. وبالرغم من أنه "خيار" إلا أنه كان "إجباري" فى سندوتشات المدرسة .
أول يوم مدرسة . يستكمل فيه الأب رحلة سداد المصروفات بعد أن يعود الأبناء بقائمة من الطلبات تُسمى "سبلايز ليست"، أو كما نعرفها بالأدوات المدرسية . قائمة من المسميات باللغة الإنجليزية لا يفهم معناها إلا العاملين بالمكتبات الكبرى، وكأنها روشتة أدوية لا يصرفها إلا متخصص. أياً كان المسمى فقد أصبحت تلك الأدوات بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير. فالأب يعمل كالبعير طوال العام حتى يوفر لأولاده أقساط المدرسة والتبرعات ومصاريف الدروس الخصوصية، هذا فضلاً عن الملابس والكتب وهدايا عيد الأم للمعلمات. وبعد كل هذه المصاريف يقولون لك أن مصر خرجت من التصنيف العالمى للتعليم. فهل كانت مصر ضمن التصنيف العالمى أصلاً! فلا يوجد فى مصر تعليم إلا التعليم على الطلاب وأولياء الأمور!
عدد الردود 0
بواسطة:
امجد مصطفى
مقال ممتاز
مقال يوصف ما نراه فى حياتنا العادية و يوصف بشكل شيق معاناة الاب و الام مع الدراسةز