تلقت مخابرات دولة عربية رسالة بالشفرة من عميل سورى، هو لواء فى الجيش السورى، يطلب فيها اجتماعًا فوريًا، وذلك فى أواخر أغسطس أو أوائل سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1973، فلماذا كان الإلحاح على هذا الاجتماع؟
القصة يرويها الكاتب الصحفى البريطانى باتريك سيل فى كتابه «الأسد.. الصراع على الشرق الأوسط»، عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت»، ويذكرها فى سياق الاستعدادات التى كانت تتم بين مصر وسوريا لخوض حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل لتحرير الأرض المحتلة على أثر هزيمة 5 يونيو 1967، ويقول: «تلقت مخابرات دولة عربية رسالة بالشفرة من عميل سورى، هو لواء فى الجيش السورى، كانت مخابرات تلك الدولة قد جندته للعمل لحسابها قبل ذلك بعامين، يطلب فيها اجتماعًا فوريًا، وجلب ذلك السورى معه مجموعة كاملة من خطط حرب أكتوبر كما رسمتها القيادات المصرية والسورية العليا، فتم نقل نسخ منها على الفور وبيد مبعوثين موثوقين إلى شخصين، هما هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، وموشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى».
لا يذكر «سيل» اسم هذا العميل، كما يرفض الكشف عن مصدر معلوماته، مكتفيًا بالقول: «المصدر الغربى الكبير لهذه المعلومات لا يرغب فى الكشف عن نفسه»، لكنه ينقل كيف تم التعامل مع معلومات هذا العميل، مؤكدًا أنها «لم تُحمل على محمل الجد»، ولهذا تظل هذه القصة على مسؤوليته، ويضيف: «كان ديان وكيسنجر متأكدين أن هذه مجرد تجربة عربية فى التضليل بتسريب معلومات كاذبة مصممة لتخسير إسرائيل نفقات واضطرابات تعبئة عامة أخرى لا طائل من ورائها، ولإقناع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل، لتكون أكثر مرونة فى الرد على مقترحات السلام التى كانت مصر والأردن قد طرحتها».
يذكر «سيل»: عندما جاءت الحرب فى السادس من أكتوبر، اتضح أن الخطط التى أرسلت إلى ديان وكيسنجر كانت دقيقة فى كل تفاصيلها، ماعدا تباينًا فى ساعة الصفر، هو السادسة صباحًا، مما يشير بوضوح إلى أن تلك النسخ لم يكن قد أدخل عليها بعد التعديل الذى تم التوصل إليه كحل وسط بين الأسد والفريق أحمد إسماعيل، وزير الحربية فى 3 أكتوبر 1973، وحددت فيه ساعة الصفر وأصبحت فى الثانية وخمس دقائق بعد الظهر. ويذكر سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية وقتئذ، فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية، القاهرة»، أنه فى يوم 3 أكتوبر 1973 سافر الوزير أحمد إسماعيل ومعه اللواء نوفل، وبعد عودته قال لى: «لقد كان السوريون يريدون أن يؤجلوا لمدة 48 ساعة، ولكنى قلت لهم إن هذا لا يمكن الآن، إن مثل هذا التأجيل قد يضيع عامل المفاجأة، فكروا فى موقف الفريق الشاذلى على الجبهة المصرية، وما يمكن أن يسببه ذلك له من مشكلات، ووافقوا فى النهاية على أن يبقى اليوم كما هو والساعة كما هى».
ويذكر «سيل»: «ساعة الصفر تقررت فى اجتماع سرى بين السادات والأسد على هامش لقاء قمة ثلاثى مع العاهل الأردنى الملك حسين فى 12 سبتمبر 1973، وفى 3 أكتوبر وفى منزل الأسد بدمشق تم الاتفاق مع الفريق أحمد إسماعيل على الانطلاق، وكان السوريون يريدون أن يهاجموا فى الفجر بينما تكون الشمس خلفهم، وكان المصريون يفضلون الغسق ليتاح لهم عبور القناة ليلًا دون هجوم جوى إسرائيلى، وتم الاتفاق على حل وسط هو أن يبدأ الهجوم على الجبهتين فى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر».
هكذا كان موضع الخلاف ثم الاتفاق على موعد الهجوم، لكن الخطط التى حملها العميل السورى لم تذكر ما تم الاستقرار عليه نهائيًا حول موعد بدء الهجوم، ويذكر «سيل»: «لم يكشف كيسنجر، بل أنه بلا شك سينفى نفيًا قاطعًا أنه كانت لديه أى معرفة دقيقة محددة مسبقة بحرب أكتوبر، أما ديان فقد كان أكثر صراحة، ولكن بصورة سرية وخاصة، فبعد انتهاء الحرب اتصل بالجاسوس الذى ذهبت خبطته المخابراتية المثيرة بلا جدوى، فلم يهتم بها أحد فى حينها، فأرسل له ديان رسالة مؤادها: إنى أدرك بأننى تحت رحمتك، إنك إذا كشفت ما تعرف فسينتهى مستقبلى المهنى وحياتى العملية، وفى غضون ذلك أرجو أن تتكرم بأن تتسلم مع أعمق امتناننا أعلى وسام عسكرى تستطيع أن تمنحه إسرائيل لمواطن أجنبى».
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو بدر المصري
تعقيب وتصويب
العميل السوري كان برتبة لواء ويعمل بمركز العمليات السورية ، والدولة التي جندته كانت الأردن ، وكانت العلاقات الأردنية السورية باردة ، وعندما وقعت خطط عمليات حرب أكتوبر في يد هذا العميل ، أرسلها على الفور للمخابرات الأردنية ، وبأوامر من الملك حسين تم إرسالها لأمريكا والتي بدورها أرسلتها لإسرائيل ، وأكد على مصداقيتها الملك حسين نفسه عندما قاد طائرته بنفسه يوم الخامس من أكتوبر واجتمع سرا مع مائير وأطلعها على أن مصر وسوريا سيهاجمان إسرائيل غدا.. ( وهذه الزيارة اعترف بها الملك حسين نفسه ونفى أنه أخبرهم بحرب أكتوبر ) ، لكن الإذاعة الإسرائلية أعلنت ذلك يوم توقيع اتفاق السلام المعروف بوادي عربة بين إسرائيل والأردن حيث أعلنت أن هذا هو اللقاء الأول المعلن بين القيادة الأردنية والإسرائلية ، والتاسع فعليا ، حيث سبقه ثمانية لقاءات غير معلنة. أما ما ذكره الخبر بأن ساعة الصفر تم تحديدها على هامش لقاء ثلاثي ضم السادات والأسد وحسين ، فهذا لم يحدث.. والصحيح أن الأسد كان في زيارة سرية للسادات ، وفوجيء الاثنان بوصول حسين لمطار القاهرة في زيارة مفاجئة ، ويومها اجتمع مع السادات ، والذي أخبره بوجود الأسد عنده لأنه ( أي الأسد ) يخشى أن تهاجمه إسرائيل من الأراضي الأردنية ، لكن حسين اقسم بأن هذا لن يكون.. واتضح بعدها أن السادات ظن أنه ضحك على حسين ، وأيضا حسين أوهم السادات أنه لا يعلم شيئا عن خطة الحرب.. والذي كشفت عنه المصادر بعدها ، أن حسين بكشفه لخطط حرب أكتوبر لاسرائيل كان يخطب ودها ويتقرب إليها حتى إذا قامت الحرب وخسرتها مصر وسوريا ( كما تصور ) لا تهاجمه إسرائيل بعدما فقد الضفة الغربية لنهر الأردن إبان حرب يونيو 67 ، ولأنه لن يستطيع الوقوف على الحياد ساعتها ومواجهة ثورة شعبه والشعوب العربية وقتها.