سليمان شفيق

د. رفعت السعيد يعيش فينا

الخميس، 24 أغسطس 2017 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الجسد يهبط إلى مثواه الأخير، ودموعى تسبق ذكرياتى، وروحه ترفرف، تعطينا التكليف الأخير بمواصلة النضال، وجوه كثيرة، لرفاق اضناهم الفراق، وأنا أتذكر ذلك الذى تبنانى منذ 1974 وحتى قبل الرحيل بأيام.
 
من لم يعرف رفعت السعيد الإنسان لن يعرف د. رفعت السعيد الأكاديمى أو القائد السياسى، كنت شابا من أبناء حركة الطلاب لجيل السبعينيات، خرجت من السجن مفصول من الجامعة، أعمل «قبانى» فى شركة النيل للحليج بالمنيا، أتكسب رزقى حتى لا أكون عالة على عائلتى، وأيضا أكون قريبا من العمال، فى مساء يوم من مارس 1974 كنت أجلس مع عمى أحمد عبدالعزيز، شيوعى سابق وصاحب محل نسيج، وطلب منى أن آخذ إجازة فى الغد، لأن الأستاذ زكى مراد المحامى  قائد شيوعى  سيكون غدا فى المنيا، انتظرنا زكى مراد وكانت مقابلته «شروق» شمس جديدة فى حياتى، عرفنى زكى مراد على رفعت السعيد، تقابلنا فى كافتيريا «لاباس» المغلقة الآن بشارع قصر النيل، شاب نحيف يرتدى نظارة، متبسم دائما، ومن ابتسامته دخلت عالم الحركة الماركسية، ساعدنى على تأجير غرفة، وتم تعيينى معه فى المجلس المصرى للسلام مع الزعيم خالد محيى الدين بمبلغ وقدرة عشرين جنيها، كان حينذاك متزوج من الراحلة الرفيقة ليلى الشال، وانتقل لتوه من غرفة فوق سطوح إحدى عمارات باب اللوق إلى شقة فى شارع المنيل، وأنهى الماجستير ويستكمل رسالة الدكتوراه فى الحركة الشيوعية، ويعمل صحفيا فى مجلة الطليعة القاهرية، فى مكتب خالد محيى مع الراحلين السكرتيرة نبوية والجندى عمى عراقى كنا نستقبل يوميا عشرات من الشيوعيين يحل رفعت السعيد مشاكلهم عبر وساطة خالد محيى الدين، كان شهريا يعطينى عدة أظرف بها مبالغ مالية لأسر فقراء الرفاق، أو أسرهم بعد رحيلهم، ويسعى جاهدا لإلحاق زوجاتهم بالعمل وأولادهم بالمدارس، بكل مشاعر الرفيق ابن صاحب «ورشة الخراطة»، كان رفعت فخورا بوالدة وبار بأسرته ورفاقه، ومن 1976، بدأ رفعت مع خالد محيى الدين الاستعداد لتأسيس منبر اليسار ولعب رفعت دورا كبيرا فى تحقيق اشتراط «عشرة أعضاء من اللجنة المركزية العليا أو أعضاء مجلس الشعب»، بعدما «ماطل» النائب كمال أحمد فى التفاوض، ورفض النائب أحمد طة قبل انتهاء الفترة بيومين، فأسرع رفعت إلى الراحل فاروق ثابت واستطاع الحصول على توقيع النائب الراحل قبارى عبدلله، وعن طريق القائد الشيوعى زكى مراد والنائب مختار جمعة، تم الحصول على توقيع عضو اللجنة المركزية العليا فتحى محيى الدين، ولولا ذلك ما رأى منبر اليسار النور، ومن 10 إبريل 1976، وحتى نوفمبر 1976، كان رفعت السعيد لا يتبوأ أى منصب قيادى سوى عضويته فيما سمى «لجنة المتابعة» التى شكلها خالد محيى الدين لإدارة العمل اليومى وانتقلنا أنا والراحلين نبوية وعراقى إلى العمل فى الحزب.
 
فى يناير 1977 أرسلنى د. رفعت السعيد مع الراحلين محمود المراغى وشاهنده مقلد، إلى المنيا بعد أن توفر له معلومات أن السادات سيرفع الأسعار، لعقد مؤتمرا يوم 18 يناير ضد رفع الأسعار، وبالفعل عقد المؤتمر ومن بعدة انطلقت المظاهرات بالمنيا، وألقى القبض علينا جميعا بما فى ذلك د. رفعت السعيد، أفرج عنى بعد تدخل خالد محيى الدين، لأنه لم يكن هناك سوى نفر قليل من أعضاء الحزب، وكنت أذهب إلى الرفيقة ليلى الشال بالمنيل للحصول على توجيهات رفعت السعيد بعد زيارتها له، وشكلنا لجنة الحريات من الأساتذة أمينة النقاش وصلاح عيسى وعظيمة الحسينى وفتحية سيد أحمد ومحمود حامد وعبدالعظيم المغربى المحامى، وخرج رفعت السعيد من السجن، وكنت حتى ذلك الوقت لم أكمل دراستى وأحب زوجتى الراحلة مريم وديد فتكفل بزواجى منها وذهب معى إلى والدها لخطبتها، ووفر لى منحة دراسية لاستكمال دراستى بجامعة موسكو 1978، لتبدأ مرحلة أخرى بالخارج كشفت عن وجه آخر لرفعت السعيد، كان صديقا مقربا من قادة عظام مثل حافظ الأسد وأبوعمار وجورج حبش ونايف حواتمة وأبوإياد وجورج حاوى ونقولا شاوى، وشعراء وقادة مثل محمود درويش ومعين بسيسو، وكان يصطحبنى معة فى أغلب هذه اللقاءات، واذكر للتاريخ انه سواء فى بيروت أو فى دمشق كنت أحجز له فى الفنادق على حسابه الخاص، وفى إحدى اللقاءات مع أبوعمار وأبوإياد قالوا إن ثقتهم فيه لا تنتهى حتى أنهم طلبوا لقاءه فى الأول من أكتوبر وأخبروه أن حافظ الأسد أكد لهم أن مصر وسوريا سيدخلان حرب ضد إسرائيل بعد أيام، ولذلك لم أندهش من نعى تلك المنظمات له واعتباره من شهدائها وشهداء فلسطين، كان يعامل كل هؤلاء على أنه يمثل مصر، وفى لقاء رافقته فيه والراحل ميشيل كامل قال لحافظ الأسد: «نحن نعارض السادات ولكن مصر أكبر من السادات ومن سوريا»، فرد الأسد: «نعلم ذلك»، فى ذلك اللقاء كان حافظ الأسد جالسا وكأنه يتعلم مما يقوله السعيد عن الإخوان».
 
فى اللقاء الأخير معه كنت أسترشد منه فى بحث عن الشيوعيين المسيحيين وموقفهم من الدين، وتذكرنا انطون مارون ورفيق جبورو ميشيل كامل وفخرى لبيب وفوزى حبشى، أنور عبدالملك، أنور إبراهيم ولويس إسحق وفؤاد ناشد، ولم أكن أعلم أنه سيلقاهم بعد أيام وإنى أودعه على أمل اللقاء.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة