كانت الشمس قد غادرت على وعد بالمجئ مرة ثانية باقية على عهدها، فجلس الاثنان على المقهى المفضل لهما كعادتهما كل يوم وأكثر من شاشة تلفاز والصوت العالى والضجيج.. وبيدهما أكثر من جريدة يرتشفان من القهوة ويستكملا الحوار..
فأخذ الأول وهو يشير بإصبعه تجاه شاشة التليفزيون المقابلة له ويقول لخله الوفى وصديقه الذى يتجاذب معه أطراف الحوار:-
أترى يا صديقى ألم أقل لك أن الفساد ألعن من الإرهاب؟ مشيرًا عن تداول القنوات عن حوادث القطارات التى تحدث مؤخرًا والمناظر الدامية المؤسفة للضحايا، متهمًا كل المسئولين والقائمين والموظفين كبار وصغار بلهجة السخط المطلق عن الإهمال والكره والغضب.
فرد الثانى وهو يشير إلى الشاشة الأخرى فى المقهى محاولا جذب انتباه صديقه الساخط عن الإهمال الناتج عنها الحوادث وقال له:- ولكن يا صديقى أنظر هناك فى تلك القناة ذلك الرجل الذى يتحدث حديث الكراهية وهو فى استديو بمفرده مكيف الهواء ساخطًا لاعنًا الدولة، بل يحض على دحر الإيخاء والمواطنة والمحبة والتودد بين المواطنين مهما اختلفت ديانتهم وألوانهم،
فهل حديث الكراهية ذلك لن يجعل من مشاهدى ذلك الرجل المستأثر بالكاميرا على تلك القناة مواطنين كارهين ساخطين على بلدهم وعلى مؤسساتهم وعلى نظامهم والقانون؟، ألن يخلق ذلك نتاج حديث الكراهية الذى يلقيه على مسامع الناس نفور المواطن من أخيه لمجرد أى خلاف سياسى؟ ووقتها اذا حدثت تلك الفرقة والنفور بين اثنين فى مؤسسة مثلا أو فى القطار المنكوب الذى أنت حزين عليه كما أنا أعض بنان الندم إثر تلك الحوادث.. هل تخيلت كيف سيكون وجه التعاون بين الموظفين والسائقين والقائمين على تلك المؤسسة إن اتخذناها مثلا قائمًا؟
تٌرى الآن.. ماذا ترى أهو الإهمال والفساد ألعن من الإرهاب؟ الإرهاب العقلى فى رأيى بحديث ذلك الرجل أو الإرهاب والعمليات الانتحارية.
حديث الكراهية ذاك لن يحض على سرقة حديد القطارات التى تسير عليها وتخريب المحولات، أهو فساد فى المطلق أم فساد ناتج عن إرهاب؟
فالإرهاب العقلى والفعلى يصنع الفساد، والفساد الفكرى والفعلى يصنع الإرهاب، وكلاهما يصنع الآخر!
فسكت الأول ردحًا من الزمان متعمق الفكر فى كلام صديقه الذى بدى له أنه منطقيًا، ولكن ظل الاثنان فى حيرة ولحظات تفكير ومٌقل دامعة فاستطرد الأول وقال:-
نعم يا صديقى فإنك على حق فخطاب الكراهية سيخلق الفرقة، والفرقة ستعيق التعاون والعمل بروح الفريق الواحد التى أصبحت لازمة فى كل المؤسسات لسير العمل، وربما ستثير البلبلة والفتنة وستٌدبر المكائد من مواطن لآخر ليكون الناتج لدينا تلك الحوادث ولكن الإهمال! ما رأيك؟
أهو نتاج ذلك الرجل صاحب حديث الكراهية أيضا؟
فاستنكر الأخر ورد قائلا: بالطبع لا ولكن بدلا من حديث الكراهية والسخط على الدولة فى كلام ذلك الرجل غير الوطنى وبدلا من زرع فى قلب كل مواطن كره الوطن والقانون والالتزام به وبالدستور مستغلا ظروف الوطن التى يحاول الشرفاء حلها بكل جًهد كان بالأحرى أن يغرس فى كل مواطن حب العمل وإتقانه وخدمة الاخر بغض النظر عن أى خلاف عرقى وإصلاح قطعة الأرض التى يقف عليها الواحد لتنصلح الاخرى فالأخرى.. إلخ، وبدلا من اصلاح قطعة واحدة ستتتجمع الاصلاحات التحتية وستسهل على الدولة الاصلاح الفوقى.
فسكت الاثنان ونادى واحد منهما النادل ليسألوه عما إذا كان بإمكانه تغيير القناة التى تذيع أخبار الحوادث والأخرى التى تعرض حديث الكراهية وتغيرهما بقناة أخرى تعرض برنامج أو توك شو هادف وبعيد عن المنازعات والكراهية لاستيائهم.. فضحك النادل ساخرًا منهما برد ساخر قائلا:
من الممكن ولكن على القنوات المشفرة التى لم تنشأ بعد ومشى ضاحكًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة