أقف اليوم أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة أصبحت تهدد مجتمعنا ككل، أرصد أسبابها وأحاول أن أطرح تساؤلات قد تفسر سبب انتشارها بالشكل الذى تعدى كل الخطوط، مما جعل مصر من الدول الأعلى طلاقا بين دول العالم، إن لم تكن فى المركز الأول فى تفشى هذه الظاهرة الجديدة على مجتمعنا فى الآونة الأخيرة.
قديما كان مجرد طرح فكرة الطلاق دربا من دروب الجنون بل ويقع أحيانا تحت مفهوم (العيب) عند بعض الأسر المصرية، وكثيرا ما كانت تقابل بالرفض من أحد الطرفين ومن جانب الأهل أيضا، ولكن ما نشهده اليوم هو النقيض بعينه، كل حالة لها أسبابها وظروفها التى إما أن تكون سببها مادى نظرا لعدم قدرة الأزواج على توفير كل متطلبات الحياة مع ازدياد النفقات بشكل يتناسب عكسيا مع الدخل، فتنشأ معه خلافات يكون الطلاق نهايتها فى معظم الأحيان، أو لسبب آخر وهو عدم قدرة الطرفين للتفاهم والعيش فى سلام دون اختلاق المشكلات وتفاقمها بالشكل الذى يدفع أحدهما إلى طلب الطلاق ظنا منه بأنه الحل الوحيد لإنهاء الصراع بينهما، والذى قد يكون أسبابه ودوافعه ليست بالشىء الصعب حلها أو التى يمكن التعايش معها على أضعف الإيمان.
فى بعض الأحيان قد يكون الطلاق بسبب الأهل، فبطريقة أو بأخرى يتدخل الأهل أحيانا فى حياة الزوجين ظنا منهم أنهم بذلك يساعدونهم، ولكن ما يحدث هو العكس تماما، وأحيانا قد يرى الأهل أن الانفصال هو الحل، ولكنهم بذلك يهددون حياة أبنائهم وبناتهم دون أن يشعروا، وإن شعروا بعدها يكون للأسف قد فات الأوان.
قد يحدث الطلاق لأسباب اجتماعية أو صحية أو جنسية ولكنه لا يفرق أيضا بين كون الزواج فى سن مبكّر أو فى سن النضوج، وحتى طول عمر الزواج فى هذه الأيام لا يكون ضامنا لاستمراره، لأنه وللأسف الشديد يحدث الطلاق برغم طول عمره، و بالرغم من وجود أولاد بين الزوجين يقف للحيلولة دون وقوع الطلاق بكل أسف..
ولكن ترى من المخطئ؟!
فى نظرى أننا جميعا مخطئون، فالرجل أخطأ حين تصور أنه المسيطر وحده على زمام الأمور، وأنه السيد فى كل شيء ولم يهتم بزوجته الاهتمام الكافى ولم يحتويها بقدر المستطاع، وأخطأ حين فكر فى خيانة زوجته وهذا أبشع ما يدمر العلاقة بينهما ويستحيل العيش فى ظل حدوثها، وأخطأ أيضا حين همش دورها ولم يؤمن بأنها شريكته وأنها ليست مجرد زوجة، أخطأ أيضا حين سمح بتدخل آخرين فى حياته، سواء كانوا أهل أو أصدقاء، أخطأ فى الكثير ولا أعفيه من دوره كلاعب رئيسى فى رأب الصدع ووأد أى خلافات بينه وبين زوجته من بدايتها للحيلولة دون وقوع الطلاق عندما تستفحل المشاكل ويصعب معها اى حل.
ولكن المرأة أخطأت حين ظنت أن مفهوم المرأة القوية المستقلة الذى أصبح المفهوم السائد عند معظم النساء أهم من دورها كزوجة وأم، أخطأت حين خانها ذكاءها المعهود فى اهتمامها بزوجها وبيتها ظنا منها أن الأمان فى المال أو فى الوظيفة المرموقة، وأن الرجل أو الزواج والبيت يأتى فى المرتبة الثانية خوفا من المجهول ومن المستقبل وتوقع حدوث الأسوأ، وأصبح لزاما عليها أن تبقى مستعدة بما أوتيت من قوة ليوم كهذا إن حدث، أخطأت حين تغلب ترجيح العقل والمنطق على كبرياء وكرامة لم تتأثر بتاتا ولكنه تصلب الأفكار عند نقطة معينة يضيع بعدها كل شيء ولا يجدى الندم بعدها !
أخفقت المرأة حينما توهمت أن الطلاق بعد فترة زواج قصيرة أو طويلة هو قيد واجب التحرر منه دون حساب نتائجه وتجنب أثاره المستقبلية عليها وعلى أولادها، خصوصا إذا أقنعت نفسها بأنها أفنت سنينا فى زواجها ولم تهتم بنفسها قد اهتمامها ببيتها وزوجها وأولادها .
أخطأت حين ظنت وتوهمت أن الرجل يريدها أن تكون خلفه ولم تفهم أن الرجل هو الابن الذى لم تنجبه، فهو يحتاجها بجواره لا أن تسبقه حتى يراها أمامه ولا أن يسبقها هو فلا يراها بل هو يريدنا أن تكون الى جواره سكن ومودة ورحمة.
أخطأ (الأهل) الآباء والأمهات حينما لم يصموا آذانهم بل فتحوها للأبناء والبنات عند أول مشكلة وعندما سمعوا أولادهم أنهم يؤثرون الانفصال على الزواج والعيش وحل المشاكل، بل يتدخلوا ليفسدوا ما يمكن إصلاحه بعدم تدخلهم !!
بل أخطأ الآباء لأنهم أحيانا ودون قصد لم يزرعوا فى أولادهم أن الزواج مسئولية تتطلب واجبات، وبحثوا فى الحقوق قبل الالتزامات.
نعم كلنا أخطأنا حين تمكن منا حساب المادة من مكسب وخسارة على حساب الحب والمشاعر، أخطانا عندما استسهلنا الانفصال والبعد على التفاهم والتقرب ومعالجة الأمور بشتى الوسائل للحفاظ على كيان أسرة بأكملها.
عزيزى الزوج هل هانت عليك زوجتك عندما أهملتها وأهملت بيتك؟ هل استمتعت جيدا بمعرفة أخرى على زوجتك؟ أم تخطيت الحدود ولم تقف عند حد المعرفة فقط؟! هل فشلت كل وسائل الصلح والمناقشة والتفاهم وهل استنفذت كل السبل؟! ..وأنت أيتها الزوجة والأم، ألا يوجد ما يشفع له عندك؟، ألا تذكرين له أى شيء جميل فعله معك يوما؟، هل اهتمامك بالعمل أهم من اهتمامك ببيتك وزوجك وأولادك! ألا تستطيعين التوفيق بين الأمرين، هل أنت الآن سعيدة لكونك أصبحتى امرأة قوية مستقلة وأن زهو الانتصار فى معركتك هذه أثمن من الحفاظ والاحتفاظ بزواج وأولاد يعيشون عيشه مستقرة؟!
أما أنتم أيها الآباء والأمهات، هل الآن حررتم ابنكم أو ابنتكم من قيد العبودية وأسر الحياة الزوجية وهل أنتم مستعدون لنمط الحياة بعد الانفصال والانتقال إلى أحضانكم مرة أخري، أنا لا أقول أن الطلاق حرام أو جرم ولكنه أبغض الحلال، ولذلك فالموضوع برمته يحتاج منا الى مراجعة حقيقية للوقوف على مدى جدواه وعندما نواجه أنفسنا بصدق سنجد أننا مخطئون فى الكثير، وأنه كان من الممكن أن نستمر ونعبر الى بر الأمان كى نتجنب هدم أسرة بأكملها حين يصبح الندم واقعا نحياه وكأسا مرا نتجرعه فى كل يوم. إن مواجهة المشاكل مهما كانت صعوبتها أفضل بكثير من الانفصال والندم حين لا يجدى أى ندم وبعد فوات الأوان.