مجنونة يا قوطة" عبارة ينادى بها بائعو الطماطم فى الأسواق لجلب الزبائن إلى بضاعتهم، ولأن سعرها "يوم فى الطالع ويوم فى النازل" أطلق عليها هذا اللقب "مجنونة"، ولكن لم يقف الجنون عند هذا المحصول وحده وإنما امتد لكل المحاصيل الزراعية التى لا تهدأ أسعارها وتتحرك يوميا صعودا ونزولا، وإن كان اتجاه الصعود هو الغالب خلال الأشهر الأخيرة.
بالطبع هناك عوامل تسببت فى "جنون" أسعار المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها وتصنيفاتها، فمؤخرا كان التعويم فى نوفمبر الماضى الذى رفع من تكلفة الإنتاج، ثم زيادة أسعار المواد البترولية مرتين آخرهما الأسبوع الماضى، وهو ما رفع بدوره تكلفة النقل، ولكن حقيقة الأمر أن هذه العوامل ليست وحدها وراء "جنون" أسعار المحاصيل الزراعية، فهناك مشكلة تاريخية تتعلق بحجم "الفاقد الكبير" فى المحاصيل الزراعية نتيجة سوء التخزين، وتعدد عمليات النقل وعدم وجود أسواق جملة ومراكز لوجستية كافية بالمحافظات المختلفة.
وتتضح حجم الكارثة التى نفعلها يوميا بالفاكهة والخضراوات، إذا ما عرفنا أننا نفقد فى المتوسط حوالى 5.5 مليون طن من الخضراوات والفواكه بأنواعها المختلفة وهى نسبة تشكل حوالى 18% من حجم الإنتاج المحلى الذى يقدر بـ30 مليون طن سنويا فى المتوسط، طبقا لحسابات أجراها المحرر من نشرة "حركة الإنتاج والتجارة الخارجية من السلع الزراعية لعام 2015" الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
والمثير هنا أن هذا الفاقد بحجمه "الكبير" يشكل أكثر من ضعفى ما تصدره مصر سنويا من الحاصلات الزراعية التى تشمل الخضراوات والمحاصيل النشوية والفواكه والموالح مجتمعة، حيث تصدر مصر حوالى 2.5 مليون طن سنويا فى المتوسط من هذه المحاصيل.
وتعد الخضراوات من أكثر المحاصيل التى تشهد ارتفاعا فى حجم الفاقد، حيث تنتج مصر حوالى 14 مليون طن خضراوات سنويا فى المتوسط خلال الفترة من 2011 – 2015، ونفقد منها حوالى 3 ملايين طن سنويا فى المتوسط أيضا تعادل نسبة 22% من إجمالى الإنتاج المحلى خلال الفترة.
الدكتور أحمد أبو رواش، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى التابع لمركز البحوث الزراعية، أوضح أن دراسة الفاقد من الأمور المهمة لوضع تصور شامل لطريقة تقليل حجم هذا الفاقد، مما يؤدى إلى زيادة قيمة السلعة المنتجة، وتعتبر محاصيل الخضر والفاكهة من المحاصيل سريعة العطب، ويقسم الفاقد فيها إلى نوعين الأول "كمى" يمثل الكمية من السلعة التى كان من الممكن إنتاجها، الكمية التى لا تصلح للتسويق ومن ثم يمكن تقسيم الفاقد الكمى إلى نوعين من الفاقد أولهما الفاقد الكمى الإنتاجى، وهو الفاقد أثناء عملية الإنتاج ويرجع السبب لهذا النوع من الفاقد إلى العديد من الأسباب لعل من أهمها سوء الأحوال الجوية وسوء أداء العمليات الزراعية والتى تشمل عدم مكافحة الآفات، نقص التسميد، سوء التقليم (بالنسبة للبرتقال)، تباعد فترات الرى، وثانى أنواع الفاقد الكمى هو الفاقد الكمى التسويقى والذى يشمل الفاقد أثناء جميع عمليات التداول للسلعة.
والنوع الثانى هو الفاقد "النوعى" ويقصد به الانخفاض فى قيمة السلعه، نتيجة لبيع جزء منه بسعر أقل من السعر المحدد له نتيجة انخفاض جودته أو تلف جزء منه.
الخضراوات
وتصدر مصر حوالى 319 ألف طن سنويا فى المتوسط للخارج خاص للدول العربية والاتحاد الأوروبى، والباقى يتاح للاستهلاك فى السوق المحلى، وبحسبة بسيطة من واقع هذه الأرقام نجد أن حجم الفاقد من الخضراوات سنويا يعادل 10 أضعاف ما تصدره مصر من هذه المحاصيل للخارج.
وتشمل الخضراوات طبقا للدراسة: الطماطم، والباذنجان، والكوسة، والكرنب، والفلفل، والبامية، والقنبيط، والخرشوف، والفاصوليا الخضراء، واللوبيا الخضراء، والبازلاء الخضراء، والملوخية، والسبانخ، والفراولة، والفول الأخضر، والخيار، والجزر والخس.
المحاصيل النشوية
وتنتج مصر حوالى 5 ملايين طن سنويا فى المتوسط من المحاصيل النشوية التى تشمل البطاطس والقلقاس والبطاطا، ويصل حجم الفاقد من هذه المحاصيل سنويا حوالى 890 ألف طن فى المتوسط تعادل حوالى 17% من إجمالى الإنتاج المحلى، من حسابات نشرة جهاز الإحصاء خلال الفترة من 2011 – 2015.
وتصدر مصر حوالى 630 ألف طن محاصيل نشوية سنويا فى المتوسط، وهو ما يوصلنا بحسبة بسيطة أيضا إلى أن حجم الفاقد يصل إلى ما يقرب من مرة ونصف حجم الصادرات إلى الخارج.
وفى دراسة قام بها قسم بحوث التسويق الزراعى بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى تم فيها تتبع كمية معينة من المحصول من مرحلة الجمع فى المزرعة وحتى تاجر التجزئة، أشارت إلى أهم الوسائل للتقليل من هذه الفاقد بالنسبة لمحصول الطماطم وهو الأكثر تعرضا للتلف، تبين أنه من وجهة نظر المزارعين كانت عدم توشيش الطماطم (أى وضع الطماطم الجيد أعلى القفص والطماطم الرديئة أسفلها)، وتمثل حوالى 81.3% من آراء المزارعين، ثم الدقة فى عمليات الفرز والتدريج وتمثل حوالى 70% من آراء المزارعين، يليها من حيث الترتيب كل من اختيار عمالة مدربة ماهرة لعملية الجنى، وسرعة النقل بعد الجنى وتطوير وسائل التعبئة، حيث تمثل كل منهم حوالى 65%، 53.8%، 43.7% من آراء المزارعين بعينة الدراسة على الترتيب .
كما تبين أن أهم مقترحات تقيل الفاقد من وجهة نظر تاجر الجملة تمثلت فى عدم قيام المزارع بعملية توشيش الطماطم وتمثل حوالى 70% من آراء تجار الجملة، يليها إرشاد المزارع بالطرق المثلى للجمع وعمل طرق ممهدة بين القرى وأسواق الجملة، وتمثل حوالى 50% من آراء تجار الجملة لكل منهما، ثم توفر بنية تسويقية بأسواق الجملة وتمثل نحو 40% من آراء تجار الجملة، وأخيراً إنشاء أسواق جملة كبيرة وقريبة من المدن وتمثل حوالى 20% من آراء تجار الجملة .
وأما فيما يتعلق بمقترحات تقليل الفاقد من الطماطم من وجهة نظر تاجر التجزئة فكانت أهم تلك المقترحات استخدام وسائل تعبئة جيدة تحافظ على جودة الثمار، وتمثل 100% من آراء تجار التجزئة، يليها القضاء على ظاهرة فرز المشترى لثمار الطماطم والاختيار منها، وتمثل حوالى 80% من آراء تجار التجزئة، ثم ضرورة إجراء عمليات فرز وتدريج للطماطم بواسطة المزارع بحيث يتم تسويق الطماطم درجات بدلاً من فرزه بواسطة تجار التجزئة وتمثل نحو 70% من آراء تجار التجزئة، ثم نقل الطماطم فى الصباح الباكر، وتوفير أسواق تجزئة كبيرة بتجهيزات جيدة، وتمثل نحو 30% من آراء تجار التجزئة.
والفاكهة تشمل: البلح، والتفاح، والمشمش، والخوخ، والبرقوق، والكمثرى، والزيتون، والعنب، والمانجو، والموز، والجوافة، والتين، والرمان.
وتصدر مصر فى المتوسط حوالى 409 آلاف طن فواكه سنويا، أى أن ما نفقده من الفاكهة يقارب 3 أضعاف ما نصدره سنويا.
وتعد الموالح من المحاصيل التى تتميز مصر فيها بجودة أنواعها وتصدر للخارج حوالى 1.1 مليون طن سنويا فى المتوسط خلال الفترة من 2011 – 2015 يعادل ما يقرب من ربع الإنتاج. وتشمل البرتقال، واليوسفى، والليمون المالح، والليمون الحلو.
وتنتج مصر فى المتوسط 4 ملايين طن موالح سنويا، نفقد 13% منها بكمية قدرها حوالى 563 ألف طن سنويا فى المتوسط.
وأشارت دراسة معهد بحوث الاقتصاد الزراعى إلى أهم وسائل تقليل نسب الفاقد فى محصول البرتقال الذى يعد من أهم محاصيل الموالح، فمن وجهة نظر المنتجين تتمثل فى عمل طرق ممهدة بين المزارع والأسواق وتمثل حوالى 55% من آراء المزارعين، يليها نشر التكنولوجيا الحديثة لجمع الثمار وتمثل حوالى 50% من آراء المزارعين، ثم الاهتمام بالعمليات الزراعية لخدمة المحصول وتمثل 44% من آراء المزارعين، يليها كل من الاهتمام بالتعبئة واختيار العبوات المناسبة، والتوعية بالمتطلبات السليمة للمحصول من العناصر الغذائية، والاهتمام بمقاومة الإصابة بالفطريات والحشرات وتوفير أسواق جملة قريبة من مناطق الإنتاج بما يمثل حوالى 43%، 41%، 38%، 35% من آراء المزارعين بعينة الدراسة بمحافظة البحيرة على الترتيب .
كما تبين أن أهم مقترحات تقليل الفاقد من وجهة نظر تاجر الجملة تمثلت فى توافر عبوات مناسبة بأسعار جيدة وتمثل حوالى 90% من آراء تجار الجملة، ثم ضرورة اهتمام المزارع لعمليات الفرز والتدريج وتمثل نحو 80% من آراء تجار الجملة، يليها من حيث الترتيب كل من توفير العمالة المدربة بالأسواق، وتوافر بنية تسويقية بأسواق الجملة وإنشاء أسواق جملة كبيرة الحجم بما يمثل حوالى 60%، 60%، 20% من آراء تجار الجملة على الترتيب .
وبالنسبة لمقترحات تقليل الفاقد من وجهة نظر تاجر التجزئة فإنه يتبين أن أهم تلك المقترحات ضرورة وضع تشريع لعدم استخدام الاقفاص الجريد فى التعبئة ويمثل نحو 70% من آراء تجار التجزئة، ثم إنشاء أسواق جديدة بنحو 60% من آراء تجار التجزئة، يليها كل من إنشاء طرق ممهدة والقضاء على ظاهرة "توشيش" العبوات للبرتقال بنحو 40%، 30% من آراء تجار التجزئة على الترتيب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة