محمد الجارحى يكتب: عمى القلوب وعمى الأبصار

الخميس، 20 يوليو 2017 12:00 ص
محمد الجارحى يكتب: عمى القلوب وعمى الأبصار أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حاولت منذ أيام أن أعيش فى تفكر وتدبر لبعض نعم الله فى نفسى، وقررت أن أعيش كل يوم من هذه الأيام وأنا فاقد لإحدى النعم، واخترت أن عيش فى يومى الأول كما لو كنت أعمى، وبالفعل استيقظت قبل الفجر بدقائق وحاولت أن أغمض عينى وأنا أتهيأ وأعد نفسى للخروج إلى الصلاة فلم أستطع، وتراجعت فى يومى الأول عن فكرتى الكاملة فى العجز التام، وخطر ببالى أيضا أننى لابد وأن أتفاعل مع الناس، فأنا لا أريد أن يشعروا بما أنا فيه، وقلت عليك أن تتحلى بفقد النعم فى عقلك، وأن تبصرها بعينيك وقلبك وتراجع نفسك، وعزمت على هذا ثم اتخذت قرارى وخرجت وفى طريقى إلى المسجد، حاولت حصر خطواتى الثابتة الواثقة التى أدهشتنى بروعتها حين تأملتها من أول خطوة وأنا أسأل نفسى، كم من الخطوات كنت ستخشى على نفسك من التعثر؟ كم من القلق والخوف والفزع كنت ستصاب؟ كم من الظلمة والحيرة وعدم الأمان كنت ستشعر؟ لو كنت أعمى؟ وكيف غاب عنك أنك تركض وتقفز وتبطئ وتسرع وتضرب الارض وتجول يمينا ويسارا وكأنك دابة تكاد تخرق الارض بأقدامك؟ وكيف كنت ستعيش حين يسود الظلام وتتساوى كل الأوقات وتفقد احساسك بالليل والنهار والزمان والمكان؟ ولا ترى الوجوه التى تحب ولا الاشياء التى تهوى؟ وكم من الخطر والوحدة والألم كنت ستعانى أيها الأعمى؟، ووصلت إلى المسجد بعد عناء وتعب من مجرد التفكير بالأمر ثم دخلت وأقبلت على كتاب الله الذى اشتقت اليه كثيرا فى تلك اللحظات، وبدأت أقرأ وكأنى ألتهم الكلمات التهاما وشعرت بأنى فرح فوق العادة، وكأنى بين رياض الجنة طائر والله لكأنى فى الفردوس أعيش، وبدأت الصلاة ووقفت بين يدى الله وتغير الاحساس وراحت الانفاس منى وارتعدت وانتفضت وتزلزلت وكان لى مع كل حرف أقرأه وقفة وإحساس آخر من شعورى بمراقبة الله ومعيته، وكأنه يعاتبنى على ما فرطت فى جنب الله، وسالت دموع على عمر ضاع فى العمى  وخشع قلب لم يكن ليفقه من قبل ولسان حال يقول "يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك". 
أنهيت صلاتى وخرجت وأنا أنفطر من البكاء وحاولت أن أخفف حدة ما أشعر حتى لا يرانى الناس باكيا، لكننى لم أستطع، فكلما هدأت روحى سمعت صرخات من داخلى تؤرقنى وتقول، "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"، وأنا للمرة الأولى أشعر أن لى حواس وأنى مسئول عنها وتذكرت يوما من الماضى، سألنى فيه رجل أعمى وكان فى مثل عمرى تقريبا أن أعبر به الطريق فلم أتردد أن أفعل ثم دعا الله لى بدعاء لم أكترث له حينها، دعا الله ألا يحرمنى من نور عيناى... يا الله يا الله على جمال وروعة الدعاء من فاقد النعمة لمن لم يؤدى حقها والله إنى لأنا الأعمى الذى لم يشكر الله يوما وصدق الله إذ يقول، "إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون"، وظللت أردد طيلة يومى، الحمد لله كلما أغمضت عينى وفتحتها، الحمد لله على نعمه وفضله وخيره الكثير، الحمد لله على نعمه التى لا تعد ولا تحصى، فكم من الكلمات قرأت وكم من الكلمات كتبت وكم من الطرقات عبرت وكم من ألاء الله رأيت وكم من الأشياء تأملت وأبصرت وأمعنت، ومع كم من الوجوه تفاعلت ومن دون حديث فهمت وأفهمت وكم .....وكم ......وكم، وإذا كان هذا فى يوم واحد فيا ويلى من الايام التى عشت ولم أشكر، ويا ويلى من الذنوب التى اقترفت ولم أتورع ولم أرجع، الحمد لله الذى أمهلنى الحمد لله الذى الهمنى الحمد لله مستحق الحمد.. وما أن انتهى يومى الاول فى حب الله حتى تصالحت مع ربى وتبت إليه متابة يملؤها الحب والثقة واليقين بحكمته وأفعاله.
 






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الغائب الحاضر

انا هو ....!!

أغيب يوما والحبيب يظننى ألهو بغيره والظنون تزيد وأنا وحبرى والحروف جميعها نلهو بذكر الغائب الموجود

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة