عند الحديث عن العلاج الجماعى النفسى فى مصر، نجد أن من أشهر الأسماء وأهمها وصاحبة المبادرة الأولى فى إنشاء أول جمعية للعلاجات الجماعية فى مصر، الدكتورة منى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى ورئيس الجمعية المصرية للعلاجات والعمليات الجماعية وعضو مجلس إدارة الجمعية العالمية للعلاجات والعمليات النفسية الجماعية ومسئول لجنة التعليم والتدريب للعلاجات الجماعية، وتمثل أفريقيا فى هذه اللجنة، وكان لنا حوار معها حول العلاجات الجماعية فى مصر ومجموعات الدعم النفسى وإعادة التأهيل.
فى البداية، ما هى أنواع العلاجات الجماعية النفسية؟
هناك أكثر من تقسيم يتم الاستناد عليه فى تصنيف العلاجات الجماعية أو الجمعية، فعلينا أن نفرّق أولاً بين "العلاجات الجماعية،" وتشمل المرضى النفسيين و"العمليات الجماعية" التى يتم تطبيقها مع غير المرضى من كل الفئات بما فيهم معالجو المجموعات أنفسهم.
وقد يقسم العلاج الجمعى استنادا على عدد المشتركين، فتكون هناك المجموعة الصغيرة والمجموعة المتوسطة والمجموعة الكبيرة التى قد تشمل مئات من المشتركين وتحدث فى المؤتمرات العلمية والتجمعات الكبيرة.
كما يمكن أن تنقسم نوعية المجموعات إلى المفتوحة والمغلقة، المجموعة المفتوحة التى تستقبل أى مشترك فى أى توقيت، والمجموعة المغلقة التى تنحصر على العدد الذى تم اختياره من البداية وتستمر كذلك.
ومن أهم تصنيفات العلاج الجمعى، التصنيف الذى يستند إلى نوع ممارسة العلاج ذاته كالعلاج الجمعى التكاملى والسيكودراما والتحليلى والعلاج بالفن والجلسات التعليمية النفسية التى يتم فيها تعريف الأهل والمريض بطبيعة المرض وطرق العلاج، وهناك أيضًا مجموعات المساندة.
د منى الرخاوى
كيف تجرى مجموعات المساندة فى مصر؟
مجموعات المساندة هى التى يكون لها قائد، وتشمل أشخاصا لديهم مشكلة واحدة مشتركة مثل مجموعات الإدمان والسمنة واضطرابات الأكل والإيدز وبعض الأمراض العصبية، ومن الممكن أن يتواجد القائد أو المسهل فى البداية وبعد ذلك تتم عملية القيادة من قبل أفراد المجموعة الذين يساندون بعضهم البعض بدون قيادة.
وهذه المجموعات هى الأشهر فى التعامل مع الفئات التى تعانى من الإدمان كمجموعة المدمنين المجهولين أو من أمراض جسدية كحاملى فيروس الإيدز أو سرطان الثدى أو غيرهم.
وما هى طرق العلاج الجماعى الأشهر؟
أكبر جبهتين للعلاج الجماعى فى العالم فى الوقت الحالى هما العلاج الجماعى التحليلي والسيكو دراما. العلاج الجماعى التحليلي يكون قائماً على تناول "لاوعى المجموعة" والفهم والتحليل لرؤية سير وتناول العملية العلاحية من قبل المعالج.
أما السيكودراما، أى الدراما النفسية (وهى الترجمة الحرفية للمصطلح)، فهى العلاج باستخدام تقنيات التمثيل، حيث تعمل الجلسة على تناول موقف أو بعض المواقف التى تشمل صراعات نفسية، ومن خلال الدراما تظهر رؤية أخرى تساعد البطل والحضور فى حل صراعاتهم الداخلية.
د منى الرخاوى
وما هى قواعد العلاج باستخدام "السيكودراما"؟
جلسات السيكودراما تتكون من المعالج، أوقائد لمجموعة ـ وهو ما نطلق عليه هنا "المخرج" - الذى سيساعد "البطل" فى تحويل معاناته لعمل درامى، وعادةً تبدأ الجلسة بتمارين إحماء مثل اللعب من وحى الذكريات القديمة أو التحدث مع الآخر فيما يمهد لعمل السيكودراما أو شيء من هذا القبيل، وعلى أساس ما تم فى الإحماء، يتم اختيار الدراما التى سيتم تمثيلها ويتم تقسيم المجموعة إلى بطل ومساعدين له ومشاهدين، بالإضافة إلى المخرج.
وفى السيكودراما يقول البطل حكايته ثم يحولها المخرج لعمل درامى بعد اختيار البطل للأدوار من الحضور ويتم العمل الدرامى، ثم مناقشته، وبعد ذلك إغلاق الجلسة بشكل مميز يعمل على احتواء ما تم تناوله فيما سبق.
كيف كانت بداية الجمعية المصرية للعلاجات والعمليات الجماعية؟
العلاج النفسي بدأ فى مصر فى آواخر الستينات على يد الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى، والأستاذ الدكتور محمد شعلان، وقد كان الدكتور شعلان يستخدم السيكودراما أكثر، ويمارسها مع غير المرضى النفسيين، أما الدكتور يحيي الرخاوى فهو صاحب المدرسة الأولى العربية والمصرية المتميزة فى العلاجات الجماعية. ويمارس الدكتور الرخاوى هذا العلاج من منطلق منهج الـ "هنا والآن" مع التكامل مع مختلف المدارس العلاجية النفسية ويعمل على مستوى الوعى الفردى ووعى البين شخصى ووعى المجموعة الذى يتصاعد للاتصال مع وعى الغيب.
ويتميز هذا العلاج باحترامه للثقافة المصرية والعربية فى حياة الشخص والمجموعة، وانطلاقاً من تلك المدرسة، وعلى بعض أساسياتها، نشأ نموذج الأربع خطوات فى العلاج الجمعى للأستاذ الدكتور رفعت محفوظ ليدعم ويضيف إلى التواجد المصرى القوى والمشرف فى هذا المجال.
وقد جاءت فكرة الجمعية لترسيخ هذا التواجد ونشر الوعى بفوائد العلاج الجمعى والعمليات الجماعية ودعم القواعد الخاصة بتطبيقهما فى مصر، مما قد يسهم إسهاماً إيجابياً فى تشكيل مستقبل مصر والأمة العربية، وبالفعل أخذت خطوات سريعة وفعالة من قبل مجموعة من الزملاء المصريين المتميزين فى هذا المجال، مع الاستعانة بمتخصصين عالمين لوضع قواعد العلاج الجماعى فى مصر بأنواعه والحث على الممارسة الصحيحة، مع التنبيه إلى خطورة الممارسات غير المقننة من قبل من ليسوا بالكفاءة الكافية، فنحن ننشد بناء أجيال مدربة تحترم الممارسة وتعى بخطورتها وتخضع لعملية تمرينية ودراسية علمية صحيحة.
فالكثير من الممارسات التى تحدث حالياً تفتقر للتعليم الصحيح ويتصف الكثير منها بسوء الاستخدام، مما قد يشكل خطراً، ليس فقط على ممارسة العلاج والعمليات الجماعية، بل على المجتمع أجمع، فعلى أى قائد مجموعة أن يخضع لعملية تدريب متكاملة تشمل التعليم، كما تشمل ممارسته للعلاج الجمعى كعضو وخضوعه للإشراف بصفة منتظمة، مهما كانت خبرته، حتى يستطيع أن يفيد المجموعة ويحمى الأعضاء وتكون الممارسة مهنية.
هل العلاج بالطاقة مرتبط بالطب النفسى؟
لى الشرف أن أتبع المدرسة التى تحترم كل ما يساهم فى دعم النمو الشخصى، قد يكون منها العلاج بالطاقة أو اليوجا أو بعض الممارسات الحديثة الأخرى، ولكنى لا أتنازل عن حق المتلقى فى ألا يضل الطريق وفى أن يكون الممارس على قدر كافى من الدراسة والعلم والتدريب والإشراف، فمع الأسف، هناك الكثير من الممارسات التى تستند على بعض المعلومات والمهارات السطحية الغير مهنية .
هل يرتبط علم التنمية البشرية بالطب النفسى أم يتعارض؟
نفس الأمر كما ذكرت بما يختص بالطاقة، تعد التنمية البشرية من الوسائل المساعدة ولكن يجب الاهتمام بالتدريب الجيد ولا يمكن أن تكتسب الخبرة من مجرد أسابيع، بل تكون على مدار سنوات من الدراسة والتدريب والإشراف المنتظم.
ما هى الأمراض التى تؤثر فيها العلاجات الجماعية؟
يساهم العلاج الجمعى أو الجماعى إيجابياً في جميع الأمراض النفسية فيما عدا بعض الحالات الحادة أو النشطة التى تشمل على أعراض تستدعى التعامل معها بالعقاقير أولا قبل الدمج فى العلاج الجماعى.
يساعد العلاج الجماعى أيضاً فى حالات الأمراض الجسدية بمختلف شدتها كالألم الجسدي أو اضطرابات المناعة أو السرطان أوالإيدز، وهناك بحوث أثبتت فاعلية العلاج الجمعى فى حالات الصرع وأمراض الروماتيزم ومرضى الضغط خاصة باستخدام الموسيقى، وقد أثبتت الفحوصات المرئية والمعملية فاعلية العلاج الجمعى، ليس فقط فى تحسين الأعراض، بل فى تغيير الصورة المخية والكيميائية المصاحبة للأعراض النفسية.
ما هى أكثر الحالات النفسية تعقيدا فى مصر وصعبة التعامل؟
بعض حالات اضطرابات الشخصية، حين تكون مصاحبة بمضاعفات على المستوى الشخصى أو الاجتماعى، يكون بها تحديات علاجية تستدعى مهارات خاصة للمعالج، وقد تم وضع العديد من المناهج المحددة للتعامل مع تلك الحالات.
وقد يواجه المعالج أيضا بعض التحديات فى حالات عدم تعاون الأهل أو رفضهم المعلن أو الخفى للعلاج الجمعي، وذلك يستلزم تناولًا خاصاً من قبل المعالج، يوضع في اعتباره موقف الأب والأم والأسرة بصورة أكثر كثافة، وفى بعض الآحيان يقوم المعالجون بعمل مجموعتين متوازيتين، مجموعة للمرضي وأخرى لأسرهم.
وللتعامل مع الأهل بحرفية ومهنية فى مجال العلاج الجمعى، بالإضافة إلى اختيار النوع والتوقيت المناسب لاستخدام العقاقير النفسية وجرعتها دوراً هاماً في تسهيل العملية العلاجية لدى المرضى النفسيين بمختلف درجات الشدة والتحديات.
كيف يكون العلاج بالرقص؟
ما نطلق عليه العلاج بالحركة أو بالرقص يتم فيه التركيز على علاقة الشخص بجسده، ويبعث تناغماً بين الشخص مع نفسه ومع الآخرين؛ فهو يعزز اللغة غير اللفظية الداخلية، ويقوّم التواصل بين أفراد المجموعة، مما يتيح فرصة لإعادة تشكيل علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين ويعمل على استقبال المجموعة للغة تخلو من بعض التعقيدات التى فرضتها علينا لغة التعبير اللفظى.
ما رأيك فى استخدام تقنية التنويم المغناطيسى فى العلاج النفسى؟
أود أولاً أن أوضح أن هناك الكثير من العروض الدرامية أو الإعلامية غير الصحيحة لما يسمى بالتنويم المغناطيسى، فممارسات التنويم المغنطيسى المهنية قليلة فى مصر، وقد تدخل من مدخل العلاج بالتأمل وتفيد فى بعض الحالات مثل الأمراض الجسدية والآلام المزمنة، والقلق والاكتئاب.
وما يطلق عليه التنويم المغناطيسى يعمل عن طريق تقليل حدة الوعى والتعامل مع مستوى آخر من مستويات اللاوعى، حيث تقل الميكانيزمات الدفاعية التى نتعامل بها فى حالات وعينا أو يقظتنا الطبيعية ويصبح الشخص أكثر تلقائية أو أكثر استرخاء وأكثر قبولا لما يوحى له من قبل المعالج، بالتالي يستطيع المعالج أن يصل إلي درجة أعمق من التواصل مما قد يخفى عنه فى غير هذا السياق العلاجى، وأحيانا تستخدم مادة يتم حقن العميل بها ليدخل فى منطقة نصف واعية (نصف نائم) وذلك بالتأكيد يتم بموافقة من قبل المريض.
وعلينا اختيار الحالات المناسبة والتوقيت المناسب في استخدام تلك الوسيلة، أنا شخصياً لا استخدمها بل استخدم تمارين الاسترخاء فقط أحيانا؛ فكل معالج له طريقته الخاصة التى تتماشى مع منهجية تعليمه واعتقاداته وأيضاً مع طبيعة شخصيته.
هل نحتاج لمراكز إعداد للمساجين بعد خروجهم فى مصر؟
"ياريت" مصر فى أمس الحاجة للوعى الحقيقى بأهمية التأهيل النفسى ليس فقط للمساجين، فالعمل مع المساجين هو رمز لأملنا فى ألا نكتفى فقط بدعم ايجابياتنا، بل نعمل على تحويل المظاهر السلبية إلى إيجابية، وقد تم عمل بحث فى هذا الصدد، ولكن يلزمنا التطبيق الأشمل، وهذا هو أملى.
وكيف ترين التطبيقات الأشمل للعلاجات الجماعية فى مصر؟
هذا هو حلمى الأكبر، أن نعمل على بناء أجيال من المتدربين المحبين لبلادنا، ويتم تطبيق مناهج العمليات الجماعية من خلال جلسات جماعية أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية مع فئات مختلفة كالمدرسين وموظفى المؤسسات الحكومية والفئات الأخرى التى تحمل مسؤولية هذا الوطن، حتى نعمل على بناء مجتمع أكثر صحة وأكثر مسؤولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة