هل نُنكر أن لكل إنسان أدواته الخاصة التى تُميزه عن غيره، والأدوات ليست متمثلة فى الأشياء المادية فقط التى نستعملها فى حياتنا اليومية، ولكنها تتجسد كذلك فى الأسلوب والفكر والشخصية، أى القدرات الخاصة، فلو فقد الإنسان أداة من أدواته، ربما تخل بجميع الأدوات الأخرى؛ لأنها جميعا مترابطة لكى تجعل منه شخصية متفردة على غيره من الآخرين .
ولكن للأسف، مشاغل الحياة، وتراكم الأفكار، وصدمات البشر، قد تؤثر على بعض الأدوات وتجعلنا نتناساها أو ربما ننساها، فنشعر حينها وكأننا فقدنا جزءًا من شخصيتنا، لدرجة أن الآخرين يستشعرون أثناء تعاملهم معنا وكأننا أشخاص آخرين لا يعرفونهم .
فافتقادنا لصفة بسيطة من صفاتنا، تُغير مضموننا وفحوانا، فالإنسان كالجملة المفيدة، أى زيادة أو نقصان حرف فيها، يُغير معناها ومضمونها كلية من النقيض إلى النقيض، وكذلك تَغير صفة من صفات الإنسان يُغيره رأسًا على عقب، والصفات تتغير بافتقاد الأدوات المكونة لمحاور الشخصية .
وهذا يُذكرنى بموقف طريف حدث للعالم "أينشتاين"، فقد كان هذا العالم مُصابًا بضعف النظر، ولا يستغنى أبدًا عن نظارته، فذهب ذات مرة إلى أحد المطاعم، واكتشف هناك أن نظارته ليست معه، فقد نسيها فى المنزل، فلما حضر "النادل" بقائمة الطعام ليختار منها ما يريد، طلب منه "أينشتاين" أن يقرأها عليه، فاعتذر "النادل" قائلاً: "آسف يا سيدى، فأنا أُمَّى مثلك لا أعرف القراءة ! " .
فافتقاد هذا العالم للأداة التى تجعله يرى كل شيء بوضوح، جعل الآخرين يظنون أنه جاهل، فى حين أنه عالم، ورغم طرافة هذا الموقف والذى يُعبر عن أثر افتقاد الأدوات المادية، إلا أنه كناية عن تأثير افتقاد كل أداة معنوية لصيقة بشخصية الإنسان، فلو فقد أيًا منها، ستتغير ملاح شخصيته تمامًا، لدرجة أنه قد يُنعت بالجهل رغم أنه عالِم . فحافظ على أدواتك لأنها سر جاذبيتك .