أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد مختار جمعة

مشروعية الدولة الوطنية

الإثنين، 12 يونيو 2017 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعمل الجماعات المتطرفة دائمًا على التشكيك فى مشروعية الدولة الوطنية والتهوين من أمرها وأمر الانتماء الوطنى.
 
وللرد على هؤلاء نؤكد أن مشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك، بل هو أصل راسخ لا غنى عنه فى واقعنا المعاصر، حتى أكد العلماء أن الدفاع عن الأوطان أمر دينى وشرعى فى المقام الأول؛ لأن الدين لا بد له من وطن يحمله ويحميه، وإلا لما قرر الفقهاء أن العدوّ إذا دخل بلدًا من بلاد المسلمين صار الجهاد ودفع العدوّ فرض عين على أهل هذا البلد رجالهم ونسائهم، كبيرهم وصغيرهم، قويهم وضعيفهم، مسلحهم وأعزلهم، كل وفق استطاعته ومُكنته، حتى لو فنوا جميعًا، ولو لم يكن الدفاع عن الديار مقصدًا من أهم مقاصد الشرع لكان لهم أن يتركوا الأوطان وأن ينجوا بأنفسهم وبدينهم. 
 
وتعنى الدولة الوطنية: احترام عقد المواطنة بين الشخص والدولة، وتعنى الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعًا دون أى تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة، غير أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية، فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلا من الأساس، أو أنَّ ولاءها التنظيمى الأيديولوجى فوق كل الولاءات الأخرى وطنية وغير وطنية، فالفضاء التنظيمى لدى هذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطنى.
 
وتسوّق سائر الجماعات المتطرفة أنها حامية حمى الدين، وأنها إنما تسعى لتطبيق حكم الله «عز وجل» وإقامة شرعه، ونتساءل: أين ما تقوم به هذه الجماعات من قتل ونسف وتفجير وتدمير وسفك للدماء وانتهاك للأعراض وسبى للحرائر ونهب للأموال وترويع للآمنين من شـرع الله وحكمه؟
 
إن ما تقوم به هذه الجماعات المتطرفة هو عين الجناية على الإسلام، ذلك أن ما أصاب الإسلام من تشويه لصورته على أيدى هؤلاء المجرمين بسبب حماقاتهم لم يصبه عبر تاريخه على أيدى أعدائه من التتار وغيرهم بما ارتكبوه من مجازر فى الماضى وما يصيبه على أيدى داعش، والقاعدة، والنصرة، وبوكو حرام، وأضرابهم فى الحاضر.
 
ونستطيع أن نؤكد وباطمئنان على أمور، أهمها: 
الأول: أن الإسلام لم يضع قالبا جامدًا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه، إنما وضع أسسا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدًا يقره الإسلام، وفى مقدمتها مدى تحقيق الحكم للعدل والمساواة وسعيه لتحقيق مصالح البلاد والعبـاد، ولا إشكال بعـد ذلك فى الأسماء أو المسميـات؛ لأن العــبرة بالمعــانى والمضامين لا بالأسماء ولا بالمسميات.
 
الثانى: أنه حيث تكون المصلحة، ويكون البناء والتعمير، فثمة شرع الله وصحيح الإسلام، وحيث يكون الهدم والتخريب والدمار فثمة عمل الشيطان وجماعات الفتنة والدمار والخراب.
 
الثالث: أن العمل على تقوية شوكة الدولة الوطنية مطلب شرعى ووطنى، وأن كل من يعمل على تقويض بنيان الدولة أو تعطيل مسيرتها، أو تدمير بناها التحتية، أو ترويع الآمنين بها، إنما هو مجرم فى حق دينه ووطنه معًا.
 
الرابع: أننا فى حاجة ملحة إلى إعادة قراءة تراثنا الفكرى قراءة دقيقة واعية تفرق بين الثابت والمتغير، بين ما ناسب عصره وزمانه ومكانه من اجتهادات الفقهاء، وما يتطلبه عصرنا ومستجداته من قراءة جديدة للنصوص يقوم بها أهل العلم والاختصاص لحل إشكاليات الحاضر وبخاصة فيما يتصل بأحكام المواطنة إلى جانب تأصيل فقه العيش الإنسانى المشترك، وبيان أن أمن الأوطان والمواطنين لا يتجزأ، وأنه لا يتحمل التجزئة أو التصنيف، وقد ذكر الإمام ابن حزم «رحمه الله» أن من كان بيننا من أهل الذمـة، وجـاء من يقصدونهم بسوء وجب علينا أن نخرج لحمايتهم بالسلاح وأن نموت دون ذلك، لا أن نستحل دماءهم أو أموالهم أو أعراضهم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة