"مسجد ابن طولون" تحفة معمارية أبدعها قبطى.. أنشئ بمواصفات خاصة لمقاومة النيران ومياه الفيضان.. السلم الخارجى يُميز مئذنته بين مساجد العالم.. والاحتفاظ بزخارفه منذ أكثر من 1000 عام دليل عظمته وشموخه

الإثنين، 12 يونيو 2017 10:06 م
"مسجد ابن طولون" تحفة معمارية أبدعها قبطى.. أنشئ بمواصفات خاصة لمقاومة النيران ومياه الفيضان.. السلم الخارجى يُميز مئذنته بين مساجد العالم.. والاحتفاظ بزخارفه منذ أكثر من 1000 عام دليل عظمته وشموخه مسجد أحمد بن طولون
كتب صابر حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحفة معمارية جديدة، ونموذج فريد تاريخ العمارة الإسلامية بمصر، يجمع بين البساطة فى البناء والإبداع فى الزخارف المتشابكة والمتناسقة التى تدل على عظمة الصانع، الذى آثر بناءه فى مكان مرتفع، يعزلك عن العالم الخارجى ويشعرك بالطمأنينة التى تهيئك نفسياً للتقرب إلى الله تعالى أثناء الصلاة والعبادة، كل ذلك يجتمع فى مسجد أحمد بن طولون بمنطقة السيدة زينب.

ولد أحمد بن طولون وترعرع بمدينة سامراء فى العراق، ودرس الفقه والحديث بعد حفظ القرآن، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياته بعد وفاة والده وزواج أمه من باكباك الذى تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسى المعتز، والذى أناب أحمد عنه فى ولايتها، فبدأ حاكما للفسطاط،  واستطاع بسياساته الهادئة توسيع نفوذه ليشمل مصر كلها، بل وامتد إلى الشام وبرقة أيضاً، حتى استقل بمصر عن الخلافة العباسية مكوناً دولة جديدة بزعامته حكمت مصر منذ عام  254ه/ إلى 292هـ.

مسجد أحمد بن طولون (1)
مسجد أحمد بن طولون 

 

نموذج فريد فى العمارة الإسلامية

ويعد جامع أحمد بن طولون نموذجاً فريداً فى العمارة الإسلامية ودليلًا قوياً على ازدهار الحضارة الإسلامية فى مصر بالعصر الطولونى، تلك الفترة التى استطاع ابن طولون تحويل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات حكم ذاتى، لذا فإنه يعتبر من الشخصيات المؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية، حيث نقل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتى، حكمها خمس شخصيات طولونية هم أحمد بن طولون، خمارويه، أبوالعساكر حيش، أبوموسى هارون شيبان، وظلت الطولونية تحكم إلى أن أرسل الخليفة العباسى قائده محمد بن سليمان الملقب بـ"الكاتب" فقبض على شيبان وأنهى حكم الدولة الطولونية.

مسجد أحمد بن طولون (2)
مسجد أحمد بن طولون

 

ابن طولون ثالث أقدم المساجد فى مصر

وربما لا يعرف الكثيرون قصة بناء مسجد أحمد بن طولون، تلك الصورة المعمارية المطبوعة على العملة المصرية فئة الخمسة جنيهات، والذى يعد ثالث أقدم المساجد فى مصر، والوحيد الذى لم تتغير ملامحه، بعد مسجدى عمرو بن العاص، الذى تغيرت معظم معالمه بمرور الوقت، ومسجد العسكر الذى زال مع زوال مدينة العسكر، والتى كانت تشغل حى زين العابدين "المدبح"حاليًا.

مسجد أحمد بن طولون (3)
مسجد أحمد بن طولون 

 

تحفة فنية رائعة من صناعة معمارى قبطى

بعدما فرغ ابن طولون من بناء قصره، قرر بناء المسجد، فاستعان بالمعمارى المصرى القبطى "سعيد بن كاتب الفرغانى"، أحد أمهر مهندسى العمارة بمصر  فى ذلك الوقت، وطلب منه أن يشيد له مسجداً جامعاً لا تأتى عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان، فإن احترقت مصر بقى، وإن غرقت بقى، ذكر المقريزى أن بناءه كان على جبل يشكر بن جديلة، الذى كان يشرف على النيل ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس رغبته وبنى الجامع من الآجر، "الحجر الأحمر"، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، ولم يدخل فى بنائه أعمدة الرخام، سوى عمودى القبلة، لأن أعمدة الرخام لاصبر لها على النار.

مسجد أحمد بن طولون (4)
مسجد أحمد بن طولون

 

مئذنة فريدة

وعلى الرغم من أن تخطيط الجامع كان على النظام التقليدى للمساجد الجامعة، المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنه ينفرد بمئذنة معمارية فريدة، وتكاد تكون الوحيدة فى العالم الآن على هذا الشكل، بعدما تهدمت شبيهتها فى سامراء أثناء القصف الأمريكى لبغداد، كما تعتبر المئذنة الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى، وهى مكونة من 4 طوابق وبنيت على طراز ملوية مسجد سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض 40.44م.

وتبلغ مساحة مسجد أحمد بن طولون حوالى 6,5 فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، وأنفق على بنائه حوالى 120 ألف دينار، وهو من المساجد المعلقة، أى يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وعدد مداخل المسجد 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون.

مسجد أحمد بن طولون (7)
مسجد أحمد بن طولون 

 

نظام بناء المسجد يعزلك عن العالم الخارجى للتقرب إلى الله

وعلى الرغم من أن نظام تخطيط جامع بن طولون تقليدى بصحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها للقبلة، وعلى الرغم من أن جامع أحمد بن طولون يتربع على ربوة صخرية، إلا أن تخطيطه يتفق مع النظام التقليدى السائد للمساجد الجامعة المكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات، أكبرها ظلة القبيلة، وإن كان إلا أنه ينفرد عن غيره من المساجد  بوجود سور خارجى بنفس ارتفاع الحوائط، واستخدم المعمارى أسلوباً هندسياً يتمثل فى الصعود المتدرج الذى يهدف لعزل المصلى عن العالم الخارجى وتهيئته نفسيا للتقرب إلى خالقه وتحقيق الطمأنينة أثناء أدائه الصلاة والعبادة.

مسجد أحمد بن طولون (8)
مسجد أحمد بن طولون 

 

الدور التنويرى لجامع أحمد ابن طولون

ويبقى أن نذكر أن مسجد أحمد بن طولون، والذى تجاوز فى أوقات كثيرة دوره الدينى إلى الدور التنويرى، الذى يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد، يبقى خير شاهد على الروعة الفنية والمعمارية للحضارة الإسلامية، والتى تجعله من أهم الشواهد التاريخية على ذلك العصر من تاريخ مصر.

مسجد أحمد بن طولون (6)
مسجد أحمد بن طولون 

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة