الظاهر بيبرس.. قصة مسجد صمد فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى والفرنسى.. تحول من قلعة حربية إلى مذبح ومصنع للصابون ومازال تحفة معمارية من عصر المماليك.. بنى بالحجارة الملونة والزخارف لمضاهاة المسجد الأموى بدمشق

السبت، 10 يونيو 2017 11:00 ص
الظاهر بيبرس.. قصة مسجد صمد فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى والفرنسى.. تحول من قلعة حربية إلى مذبح ومصنع للصابون ومازال تحفة معمارية من عصر المماليك.. بنى بالحجارة الملونة والزخارف لمضاهاة المسجد الأموى بدمشق مسجد الظاهر بيبرس
كتب صابر حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان بيبرس مملوكاً للأمير علاء الدين إيدكين البندقدارى، بعدما وقع فى أسر المغول وهو فى الرابعة عشرة من عمره، وبيع فى أسواق الرقيق بدمشق، فاشتراه الأمير علاء الدين البُنْدقدارى وسمى "بيبرس البندقدارى"  نسبة إليه، وأصبح من ضمن مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذى أعتقه بعدما توسم فيه الفطنة والذكاء، وترقى فى المناصب بسبب دهائه السياسى حتى وصل إلى عرش مصر سنة 658 هجرية = 1260م ولقب بـ"الملك الظاهر"، وحقق نصراً كبيراً على الصليبيين والتتار، وكان له دور كبير فى انتصار عين جالوت، التى كان أحد أبطالها.
 

الملك الظاهر 

منذ اللحظة الأولى التى تولى فيها بيبرس السلطة، عقب وفاة قطز، بدأ عهداً جديداً فى تاريخ مصر، تقرب فيها إلى العامة والخاصة فقرب إليه كبار الأمراء ورجال الدولة، ومنحهم الألقاب والإقطاعيات، كما أعاد ترتيب شئون الدولة، فقرر إلغاء الضرائب وأطلق سراح السجناء. وصفه المؤرخون بأنه كان شجاعاً بطلاً، نظراً لانتصاراته العسكرية على المغول والصليبيين وإعادته الخلافة العباسية فى القاهرة عوضاً عن بغداد، التى دمرها المغول سنة 1258م، وإعادته صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر، بعد أن كانت قد أبطلت منذ عهد صلاح الدين الأيوبى، بالإضافة إلى الإصلاحات الإدارية والاجتماعية التى حققها فى البلاد، وإشرافه على تظلمات الناس بنفسه، حيث يقال إنه كان ينزل متنكرا ويطوف بالشوارع للتعرف على أحوال الفقراء، حتى لقبه البعض بــ"أبو الفقراء والمساكين"، وكان يشارك الجنود فى حفر الخنادق وجر المجانيق، فكانت سيرته ملحمة للبطولة يتغنى بها الشعراء.

صورة قديمة للمسجد
 

العمارة فى عصر الظاهر بيبرس

وعلى الرغم من كثرة حروبه مع التتار والصليبيين إلا أن الانشغال بالسياسة لم يمنعه من الاهتمام بالعمارة، والتى كان أهمها إنشاء مسجده فى ميدان الظاهر، والذى أنفق عليه ما يزيد على الألف ألف درهم فى الفترة بين عامى ‏665‏ ـ‏667‏ ه، ليكون تحفة معمارية شاهدة على روعة البناء فى العصر المملوكى، ويعتبر مسجد الظاهر بيبرس ثانى أكبر مساجد مصر بعد أحمد بن طولون، وأنشئ على مساحة ثلاثة أفدنة تقريباً، واستخدمت فى بنائه قواعد من الأحجار الملونة، والتى كانت تعرف عند البيزنطيين وفى الأناضول السلجوقية وفى سوريا الأيوبية، قبل أن يشيع استخدامه فى العمارة المملوكية.

مسجد الضاهر
 
وصف المسجد

تتميز الواجهات الخارجية للمسجد بالبساطة والهدوء وعدم الإسراف فى الزخارف، حيث شكلت الواجهات الخارجية باستخدام فتحات فى النوافذ بالجزء العلوى من الواجهة وضعت به قمريات جصية بأشكال هندسية وتنتهى الواجهة بكورنيش تتوسطه شرفات مسننة، ولم تستخدم القواصرات التى شاعت فى العصر الفاطمى والأيوبى فى الواجهة، بل تركت عارية من الزخارف مع التركيز على منطقة المدخل فقط باستخدام القواصرات والرصائع التى تشكلت بزخارف نباتية وهندسية، أما المدخل السرى للجامع فكان يدخل منه السلطان بيبرس لأداء الصلاة، حتى لا يعترضه أحد، وموقعه أمام إيوان القبلة، وهو بسيط لا يحمل ملامح العظمة والأبهة السلطانية‏.‏

يتكون المسجد من شبه مربع، وينفتح بواسطة ثلاثة مداخل بارزة تقود إلى الفناء، وتحيطه أقواس ثلاثية من الجهتين الشمالية-الشرقية والجنوبية-الغربية، وثنائية من الجهة الشمالية-الغربية، أما الجهة الرابعة من الفناء فتقود إلى قاعة الصلاة، وهى ذات تخطيط رائع، بينما عقود القبة التى كانت تقع أمام المحراب فإنها مرتكزة على أكتاف مربعة بأركانها أعمدة مستديرة، هذه القبة كبيرة مرتفعة على عكس الجوامع الأخرى التى تجدها صغيرة، واختفت القبة الرئيسية التى تواجه المحراب، وتؤكد الشواهد التاريخية أنها كانت مبنية من الخشب والرخام، وأن السلطان بيبرس أمر ببنائها وزخرفتها بما جاء به من غنائم من حصن يافا بفلسطين ـ كان قد أخذها من الصليبيين ـ  يشبه تخطيط المسجد بالجامع الأموى فى دمشق، حيث نجد مجالا رائعا يتعامد مع الأجنحة الثلاثة الموازية لحائط القبلة، وفى نهاية المجاز يوجد المحراب الذى كانت تغطيه قبة كبيرة من ثلاثة أجنحة ترتكز على أعمدة وتكون المقصورة. 
صورة من بعيد
 

مراحل صمود المسجد فى مواجهة الاحتلال

مر المسجد بمراحل من الإهمال واستخدم فى أغراض كثيرة، حيث كان قلعة حربية فى عهد الحملة الفرنسية على مصر، وتعرض لهدم جزء من مئذنته وأطلق عليه اسم قلعة سيكونسكى، ثم تحول فى عصر محمد على إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية، ثم مصنع للصابون، وأخيراً تحول إلى مذبح فى عهد الاحتلال الإنجليزى، كما تحول صحن الجامع إلى مخبأ للاحتماء من الغارات الجوية أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام‏1956. 

ظلت تقام الصلوات بالمسجد لأكثر من ثلاثة قرون حتى توقفت تماماً بعد سقوط المحراب والمئذنة والقبة، ولم تصمد سوى الجدران الخارجية، كما تعرض المسجد‏ لكثير‏ ‏من‏ ‏التعديات‏ ‏التى‏ ‏أدت‏ ‏إلى‏ ‏تدهور‏ حالته ‏المعمارية‏، وفى عام ‏ ١٨١٢م ‏استغلت‏ ‏أعمدته‏ ‏الرخامية‏ ‏لبناء‏ ‏رواق‏ ‏بالجامع‏ ‏الأزهر‏، كل هذه التعديات أدت إلى تهدم ‏‏ ‏أجزاء‏ ‏من‏ ‏المئذنة‏ ‏والحوائط.
الآن
 
إعادة ترميم المسجد

وفى ٢٠٠٧ بدأ المجلس الأعلى للآثار، بالتعاون مع دولة كازاخستان، إعادة ترميم المسجد، بتكلفة حوالى ٥٢ مليون جنيه، قدمت منها كازاخستان 4.5 مليون دولار، وشملت فك أرضية المسجد والحوائط والأكتاف والعقود وإزالة الإضافات الخرسانية التى أضيفت للمسجد وشوهته فى عصور سابقة‏، وحقن الحوائط وتأسيس التربة، بالإضافة إلى معالجة مشاكل المياه الجوفية وإقامة حوائط المئذنة والأعمدة والأيونات.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة