عاطف البرديسى يكتب.. جرس إنذار قبل أن تضيع لغة الضاد

السبت، 06 مايو 2017 08:00 م
عاطف البرديسى يكتب.. جرس إنذار قبل أن تضيع لغة الضاد فصل دراسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اللغة العربية؛ كانت تميز أروقة البلدان العربية؛ وكان لها حضور جميل فى مجالس الأدب وقصائد الشعر؛ وصولاً إلى أحاديث الناس فى الحياة العامة، عندما كانوا يتكلمون بفصاحة أمام الأقوام الآخرين مفتخرين بلغتهم وبين الماضى والحاضر؛ شتان فى الفارق حيث أصبحت لغتنا العربية لا تحظى باهتمامنا ورعايتنا مثل اعتناء بقية الأمم بلغاتها؛ كما أن لغة الغرب المغلفة بثقافته تغزو البلاد العربية وتنخر فى ثقافتنا ولغتنا؛ وتأثرت الهوية العربية نتيجة لكثرة الاعتماد على استخدام المصطلحات الأجنبية باعتبارها عنواناً للتطور ومجاراة الواقع الذى نعيشه، خاصة فى مجال الإعلام؛ وعدم إتقان بعض مقدمى البرامج للغة العربية ومغالاتهم فى استخدام المفردات الأجنبية دون دراية منهم أن ذلك يؤثر فى هويتهم العربية .
 
تزخر كتب التاريخ بصفحات ساطعة بما تحويه عن العلماء العرب الذين نقل عنهم الغرب فى مختلف العلوم، وكانوا يصرون على التعامل بلغتهم العربية؛ وأجبروا العالم على ترجمة علومهم والدراسات المتخصصة كالطب والعلوم والهندسة؛ فهى تُدرس فى بلادنا باللغة الإنجليزية‏ بينما تُدرس فى كل بلاد العالم الأخرى بلغة البلد؛ وقد نتعلل بضعف الإنتاج العربى فى هذه العلوم ومحاولة مواكبة الحديث فيها.. لكن ننسى دائماً التاريخ الذى يروى لنا أن العرب هم أول من أبدع فى هذه العلوم وألفوا فيها الكثير من الكتب‏؛ فقام الغرب بترجمة كتبهم إلى لغاته المختلفة للاستفادة منها ولم يقم بتعريب الدراسة فى جامعاته ومعاهده‏ .
 
لا بد أن يعى الجميع أن اللغة تعنى الهوية وتعنى الانتماء للوطن وللدين ولكل المقدسات وتعنى ثقافة شعب وفكر أمة‏،
وأرى أن الدفة الأساسية فى يد وزارة التربية والتعليم والإعلام‏ من خلال خلق جيل قويم بدلاً من هؤلاء الطلاب الذين يأتون إلينا فى كليات الطب ولا يعرف الكثير منهم كتابة سطر واحد باللغة العربية بدون أخطاء‏ .
 
فيجب أن يعود الاهتمام باللغة فى كل شىء حتى فى مدارس اللغات‏؛ فلا أرى فائدة من تدريس الرياضيات والعلوم باللغة الأجنبية ما دام يدرس الطالب هذه اللغة گمادة مستقلة ويتقنها لأن فى إتقانها أيضا فائدة كبيرة فى الاطلاع على الحديث؛ وفى المنافسة فى سوق العمل؛ فهذا أمر مطلوب أيضاً‏؛ ولكن يجب ألا يطغى على لغتنا وثقافتنا‏.‏
 
وإذا نظرنا إلى أكثر الإعلاميين الجدد لا يستطيعون أن يتحدثوا لغة عربية سليمة؛ بل أن كثيراً من الإعلاميين والمذيعين يلجأون دائماً إلى التكلف فى استخدام مفردات وألفاظ غربية وأجنبية فى أحاديثهم ولقاءاتهم‏؛ ومن يتابع تلك البرامج سيلاحظ كثيراً أنهم يحاولون أن يثبتوا رقيهم وتمدنهم بالمبالغة فى استخدام تلك الألفاظ‏؛ دون دراية منهم أنهم بذلك يتخلون عن هويتهم العربية التى يجب أن يعتزوا بها.
 
ومن منا لا يشاهد البرامج التليفزيونية التى تبث فى المحطات العربية ثقافية كانت أو ترفيهية؛ فقد نجد المضيفين أو مقدمى البرامج وكذلك الضيوف يتباهون بدمج العبارات والتعابير من شتى اللغات منها الفرنسية والإنجليزية فلا تمر جملة خلال النقاش إلا ويسارعون بتزيينها بتعبير أجنبى، ظناً منهم أن فى ذلك أمارة على مستواهم العلمى والثقافى العالى، فى حين أن هنالك بديلاً وبكل جدارة فى اللغة العربية له معنى أكثر دلالة وتعبيراً، ويترك وقعاً أكبر فى نفوس المشاهدين .
 
والشباب فى هذه الأيام يتكلمون اللغة الإنجليزية أكثر من لغتهم العربية؛ ويتداولونها بينهم غير مهتمين بلغتهم الأم التى هى ثقافتهم ورقيهم الحقيقى؛ فأصبحت لغتنا ضائعة لا يحافظ عليها سوى قلة من القراء والمهتمين .
 
وعلى وسائل الإعلام دور مهم فى نشر الوعى وتربية أطفالنا على لغة عربية سليمة؛ فحينما نتكلم عن وسائل الإعلام منها "مسموعة ومقروءة ومرئية"؛ فالصحافة أيضاً لها دور كبير فهناك أعداد كبيرة ممن يقرأون الصحف اليومية ويتابعونها؛ لذلك عليها أن تنشر ما يجذب القارئ للصحف بكتابة مقالة باللغة العربية؛ أو نشر قصيدة شعر؛ أو إرفاق قصة قصيرة فى الصحف؛ ولوسائل الإعلام الأخرى دور أيضاً كالإذاعة فهى قد تكون أكثر أهمية من الصحف، لأنها مسموعة والآذان تلتقط ما تسمع عندما تبث الإذاعة فى برنامج أو فقرة تتحدث عن اللغة العربية يستمع لها الناس فى البيت؛ وفى السيارة؛ وفى العمل لتتعلم آذانهم سماع لغة عربية فصيحة تحببهم فيها وتصبح جزءاً من اهتماماتهم اليومية بعيداً عن تعقيدها.
 
كذلك للتليفزيون دور فى نشر الوعى اللغوى ونهوض اللغة العربية؛ فالكثير من قنواتنا تبث لنا مسلسلات وأغانى وأفلاماً عربية وأجنبية بشكل كبير دون النظر إلى أهمية تعزيز ثقافتنا العربية ودورها فى نهوض الأمة؛ فعندما يبث التليفزيون برنامجاً للأطفال باللغة العربية يعلمهم لغتهم ويفيدهم أكثر من مشاهدة أفلام الكرتون المتنوعة دون التركيز على ما ينمى قدرات أبنائنا؛ كذلك لنهوض اللغة العربية يجب تخصيص برامج تثقيفية تجمع الأسرة للمشاهدة والتعلم؛ وضرورة ابتعادنا عما يصدره الغرب لنا عبر قنواتنا .
 
ومن أجل تعزيز اللغة العربية يجب تنقية الفكر من خلال زيادة الإقبال على القراءة ودور وسائل الإعلام كبير فى توعية الناس بأهمية القراءة وضرورة تذوق لغتنا فى المكتبات وتربية الأطفال على القراءة وزرع حب القراءة واللغة العربية فى نفوسهم وعقولهم؛ فعندما نعزز حب القراءة لدى الناس بواسطة وسائل الإعلام كافة ونعطيها الاهتمام الأكبر، عندها نستطيع أن نقول إننا على طريق التقدم والنهوض بحضارتنا لأن لغتنا هى هويتنا وبدونها تضيع الهوية .
 
وزاد من ابتعاد الناس عن التحدث باللغة العربية؛ حيث أصبح الغالبية ينظرون إليها على أنها لغة القدامى باعتبارها لا تتماشى مع تطورات العصر؛ فصارت اللغة العربية مهمشة حتى فى مناهجنا التعليمية؛ وأصبح الجيل الجديد لا يستطيع حتى فهم الآيات القرآنية؛ حتى الآباء فى تربيتهم لأبنائهم أصبحوا يعلمونهم منذ الصغر الكلمات الأجنبية ويشعر الأب بالفخر الشديد إذا رأى ابنه يتحدث باللغة الإنجليزية .
 
لقد افتقد المجتمع إلى أبسط معانى الاعتزاز بالهوية العربية حتى بات الكثير لا يستطيع حتى تكوين جملة عربية مفيدة ..!
لماذا كل هذا التأثر بالغرب؟ هل هناك أعظم من الاعتزاز باللغة التى شرفنا الله بها وجعلها لغة لكتابه العزيز؟.
وأرى أن الابتعاد عن معرفة اللغة العربية ومعانيها الجميلة يجعلنا حتى لا نفهم ما نقرأه من آيات القرآن الكريم وبتنا نقرأ القرآن دون استيعاب لمعانى ألفاظه ولا حتى نستمتع بالإعجاز العظيم فى كلماته وأسلوبه؛ فهو يجمع بين هشاشة اللفظ وعذوبة المعنى وجزالته والدقة العالية فى نظمه؛ لكن حتى نكون أكثر تميزاً عن غيرنا فى لغتنا لا بد أن نعتز بهذه اللغة؛ أو بالأحرى بهذه الهوية ونعزز فى نفوس أبنائنا التعظيم والفخر بأننا من أصحاب هذه اللغة؛ وننمى بداخلهم الحب لها ونعلمهم معنى الانتماء للعربية الفصحى حتى لا نفقد نحن ولا الأجيال القادمة هذه الهوية التى أنعم الله بها علينا .
 
ألا يحق لنا الفخر بأن اللغة العربية هى لغة الدين التى يتعلمها الغرب ليفهموا بها قواعد الإسلام وأركانه؟ فلتكن لدينا بعض الغيرة على هذه اللغة.. وإلا سنعيش بلا هوية؛ ولتعزيز اللغة العربية لا بد أن تبنى الطرق والاستراتيجيات الحديثة فى تدريس اللغة العربية والإكثار من المناشط اللغوية الحيوية واستخدام التقنية الحديثة فى تطـوير تعليم اللغة وتعلمها والأهم تعزيز أهمية العربية كرمز ومرتكز مهم فى الهوية الوطنية والحفاظ عليها لأن رفعة الأمم من رفعة لغتها، وقوتها من قوة لغتها .
 
أتمنى أن نعتز بلغة القرآن نتعلمها ونُعلمها ونتداولها فى تعاملاتنا وأحاديثنا؛ ونحرص على لغة عربية صحيحة وإن كانت غير فصيحة، فلا حاجة لــ « بليز .. سى يو .. تيك كير ويونو .. يس .. شوبنج» فى المنتديات والجامعات، بالإضافة إلى حماية تلك اللغة واستخداماتها سواء فى مواقع العمل المختلفة؛ أو عبر استخدامها التجارى ويجب ألا ننسى دورنا فى ربط أبنائنا بها؛ فلغة الضاد هى لغة القرآن التى تعمّق روح الانتماء لتاريخنا وإرثنا العظيم وتنقش هويتنا على أجساد أجيالنا المستهدفة .
 
ما يحدث هو تقليد أعمى ينم عن جهل مطبق وبعدم وعى بأهمية لغتنا واكتسابنا هويتنا منها؛ ومن يقم بذلك يتخيل أنه يصل بنفسه إلى مصاف المتقدمين. 
وحينما نعتز نحن الكبار بلغتنا وهويتنا سنجد أبناءنا يتشربون اللغة العربية ويتمثلون الوطنية فى كل تصرفاتهم؛ وأننا بحاجة إلى استراتيجية لتنمية الهوية العربية لدى الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات قبل الأطفال؛ لأن الطفل يولد صفحة بيضاء نكتب فيها ما نريد؛ ولابد من معرفة أسباب تراجع اللغة وعزوف الطلبة عن دراستها والسعى الجاد لمعالجة ذلك من خلال هذه البحوث التى تستهدف تطوير وسائل تعليم اللغة وطرائق تدريسها ومناهجها لجعلها أكثر جذباً للطلبة؛ فلم يعد الوقت يسمح بالسكوت على ما يحدث من مسخ متعمد للغة العربية على ألسنة العرب فى كل مكان وحان الوقت لدق جرس الإنذار للعودة إلى اللغة العربية لأن القوة لن تتحقق فى ظل هوية ممزقة .
 
وأرى ضرورة تربية الطفل على محبة اللغة العربية بنقاط عدة؛ عدم التعامل مع مناهج اللغة العربية على أنها صعبة وتنفر الطفل من أول درس، فإذا نظرنا إلى مناهج اللغة الإنجليزية فإننا نجد الصور الملونة الجميلة ونجد القصص الممتعة التى تحرك الخيال وتربط بالجذور .. أما نحن فوعظ وإرشاد وتربية وقسوة وتخويف وجميعه « ضبط وربط » فنرى الطفل ينفر من اللغة العربية، خاصة أن اللغة العربية صعبة؛ وكونها مقسمة إلى فصحى وعامية فهذا يصعبها أكثر .
يجب أن نبدأ أولاً بلغة سهلة للطفل بإمتاعه بالقصص والصور والأفلام، كل هذه دون تعقيدات وبدون محاولة للوعظ .
التربية العربية تميل جداً إلى الوعظ والقسوة على أساس أننا سنخرجهم رجالاً .. لكن الرجال يكونون إذا اقتنعوا بما نعطيهم فى هذه المناهج .
 
أيضاً الملاحظ أن البرامج التليفزيونية المترجمة لغتها ركيكة؛ ولا تمت حضارياً بصلة إلى الأطفال؛ ولا نستطيع إنتاج برامج تليفزيونية تستطيع أن تستوعب الطفل ضمن حضارته؛ وكثيراً ما تكون اللغة مترجمة عن الغرب وظروف أحداث هذه الأفلام التليفزيونية غريبة عن الطفل؛ فهذه الأمور يجب أن نعنى بها ونعززها عند الطفل منذ الصغر .
يجب أن نهتم بلغتنا العربية ونتحدث بها فى بلادنا دون غيرها؛ ولابد من التفاخر والتباهى بها فهى لغة القرآن.






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصر

عرب

كلام سليم ومقال جيد وتنبيه لما نراه من ضياع للغه العربيه على الشاشات أعيش في بلد اجنبي وأشاهد كيف المذيعين يخطؤون في اللغه العربيه للاسف اغلب كلامهم إنكليزي وألفاظ غريبه عشرين سنه في بلاد الاغتراب ولا زلنا نتكلم بلغه عربيه سليمه وعجبي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة