"بيت الياسمين" تنشر يوميا "حكايات ساعة الإفطار" لـ"إبراهيم عبد المجيد"

السبت، 27 مايو 2017 07:00 م
"بيت الياسمين" تنشر يوميا "حكايات ساعة الإفطار" لـ"إبراهيم عبد المجيد" الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تنشر دار بيت الياسمين للنشر والتوزيع على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، احتفالا بشهر رمضان المبارك، حكاية يومية، ضمن سلسلة حكايات يومية تحت اسم " حكايات ساعة الإفطار"، يقدمها الكاتب الكبير الروائى إبراهيم عبد المجيد.

 

ونشرت الدار أولى الحكايات والتى حملت اسم "رسائل الجنة":

 

جلس الأب فى الصالة يقرأ القرآن فى صمت. وضع أمامه حاملا من الخشب فوقه المصحف. الحامل من خشب الورد.

 معشق بالصدف الذى يشكل رسومات دقيقة لطيور تسبح فى الفضاء ورثه من العصور الوسطى أبا عن جد، وكان صانعه قد ضمخه بعطر الكافور الذى لم يتلاش مع الزمن.

 

 كانت هناك نصف ساعة باقية على مدفع الإفطار. وفى المطبخ كانت الأم والإبنة تجهزان الطعام والشراب الذى سينقلانه إلى الصالة بعد قليل.

 

كان فى المطبخ راديو صغير ينساب منه صوت الشيخ محمد رفعت يملأ الفضاء بالرضا.لكن الإبنة رأت دمعا يتسلل من عينى الأم التى راحت تمسحه براحة يدها. لم تتحمل الإبنة وهتفت:

 

- ماما.

ثم انفجرت باكية وانهارت على مقعد صغير. تماسكت الأم واقتربت من الإبنة ووضعت رأسها على صدرها وراحت تمسح عليها براحتيها وتقول:

 

- خلاص يارقية. حقك عليا. ماتعيطيش ياحبيبتي. أخوكى فى أحسن مكان عند ربنا.

 

لكن الابنة انفجرت فى البكاء أكثر.

 

- بلاش بابا يسمعك يارقية. بابا مش مستحمل ياحبيبتى. يعلم الله حالته إيه دلوقتى فى أول يوم رمضان وأخوكى مش معانا.

 

رفعت الابنة رأسها وقالت باكية:

- ليه كده ياماما.أخويا كان جميل أوى.

 

- حكمة ربنا يارقية. ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيختار. اختار الشباب الحلوين كلهم. فاكرة صورهم. كلهم بيضحكوا مبسوطين. دول رايحين الجنة يارقية.

 

- لكن انتى مش قادرة تنسى ياماما.وفى المدرسة بتكتبى كل يوم على السبورة تاريخ اليوم 28 يناير 2011. «مس هبة» زميلتك قالت لى كده وكانت بتعيط علشانك.

 

وقبل أن ترد الأم سمعا الأب يهتف من الخارج بصوت عال:

- يارقية. يا أم رقية.

هتفت الأم فى هلع:

- باباكي.

 

وجرت خارجة وخلفها رقية، فوجدتا الأب جالسا فى مكانه زائغ النظرات. المصحف أمامه فوق الحامل مفتوح، وفوقه مظروف أبيض شاهق البياض يشير إليه فى رعب.

 

نظرا إلى المظروف فى دهشة فقال:

- جواب من مصطفي.

 

تبادلت الام والإبنة النظر فى قلق على الأب الذى قال وهو يشير إلى النافذة النصف مفتوحة فى ذهول:

- دخل من هنا وحط لى الجواب.طائر عمرى ما شفت زيه. دخل رفرفرف ملا الصالة بريحة المسك وحط لى الجواب وطار. شامين الريحة؟

 

قالت الأم بعد أن جلست جواره تبكي:

- خايفة عليك يابو مصطفي. ليه بتعمل فى نفسك كده بس؟ إبننا عند ربنا.شهيد يابو مصطفى مع الصديقين والأنبياء.

 

لكن رقية كانت أمسكت بالمظروف الذى بدأ ينفتح وحده بين يديها، فوضعته مكانه على الفور وهى ترتعش، والأم والأب ينظران إليه إذ راحت تخرج منه زهور بيضاء جميلة تطير فى الصالة، فتراجعت رقية وجلست جوار أبيها الذى راح يحيطها وأمها بذراعيه ويتمتم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم..بسم الله الرحمن الرحيم.والزهور البيضاء تتوالى فى الخروج تملأ الصالة وتسبح فى فضائها وتنشر رائحة المسك العتيق، وصار بعضها يطير الى النافذة نصف المغلقة تتزاحم للخروج وتغرد كعصافير الفجر.

 

هتف الاب «افتحى الشباك يارقية على الآخر».

أسرعت رقية وسط الزهور وفتحت النافذة، فتدافعت الزهور فى الخروج إلى الفضاء تملأه وينتشر عطرها فى الشوارع، والأب والأم متجمدان أمام المظروف الذى لا ينقطع خروج الزهور منه، ورقية بدورها عادت مرعوبة من عند النافذة، وجلست من جديد جوار أبيها لا تصدق ما يجري.

 

 فى الخارج. انفتحت نوافذ كل البيوت التى انتشر فيها العطر فجأة ولم يعرف أحد مصدره حتى زاد، فخرج الناس جميعا يرون الزهور تسبح أمامهم ويرونها من بعيد تخرج من نافذة أبو مصطفي. هكذا صار كل من تأخر فى الخروج إلى النافذة أو الشرفة يخرج مسرعا، وكل من كان مسترخيا يخرج، وكل من كان أمام التليفزيون يخرج، ليملأ صدره بهذه الرائحة القادمة من الجنة.

 

 وزاد ت الزهور فى الفضاء بشكل كبير، وراحت تدخل من النوافذ والشرفات الى البيوت تنشر عطرها وتخرج. ولما رأى الناس مصدرها الذى لا ينقطع خروجها منه وهو بيت ابى الشهيد، هتفوا معا «الله اكبر.. الله اكبر» و الزهور راحت تبتعد تاركة فى الفضاء والبيوت رائحتها. بعد قليل إنطلق مدفع الإفطار لكن كان الناس جميعا فى حالة من الشبع، وأحسوا أنهم ارتووا بالماء الزلال، وجلسوا جميعا فى بيوتهم صامتين ينظرون إلى بعضهم فى دهشة،ودموع الكثيرين منهم تطل على بعضها لا تصدق ما جري.

 

فى بيت أبى مصطفى انقطع خروج الزهور من المظروف.

وجلس الأب والأم والإبنة ينظرون إلى بعضهم فى فرح عميق.

 انحنى الاب على المظروف يمسكه ويقبله، وأعطاه للأم التى قبلته بدورها وأعطته للإبنة رقية التى قبلته ودموعها تترقرق فى عينيها. بعد قليل أشعل الناس تليفزيوناتهم فرأوها قد غيرت برامحها كلها ولا كلام لها إلا عن رائحة المسك العتيق التى ملأت كل البلاد.

 

 وفى الصباح كان حديث الصحف عن هذه الظاهرة الغريبة. عن الزهور التى خرجت من بيوت عديدة فى كل وادى النيل والصحراء لتنشر رائحة المسك العتيق. صار معروفا أنها كلها خرجت من بيوت الشهداء، لكن كتبت إحدى الصحف أن رائحة الجنة رسالة إلى الأمة التى تقاعست فى الثأر للشهداء ربما سوف تتبعها عاصفة من جحيم. فى الحقيقة كان الناس يدركون ذلك. وراحوا يمشون فى البلاد صامتين.

 

18672982_1907427006181140_2992867171915845859_o






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة