لقب فى غاية الأهمية كان ومازال يطلق على من يستحقه، فعندما يقول لك أحدهم أن فلان (شيخ عرب)، فهذا يعنى أنه ذو همة وعلى خلق ويحمل الكثير من صفات الفرسان، مثل الكرم والشجاعة والمروءة والإقدام، وكل ما سبق لا يتأتى من فراغ ولا هو محض صدف طارئة بل هو نتاج فحص وتمحيص كاملين، لأن شيخ العرب هو الواجهة المشرفة لأهله وعائلته وقبيلته مما يستوجب حسن الاختيار.
فمازال نظام العائلة هو الحاكم الأكبر فى مصر ومعظم الدول العربية، حيث وجود العائلات المترابطة التى تحترم التقاليد والأعراف، وكما يقول المثل العامى ( اللى ملوش كبير يشترى له كبير)، وهذا المثل لم يأت من فراغ أيضا بل هو نتاج ممارسات حياتية فرضت وجود شخص يدير أمور المجموعة بكل فطرة سليمة، يكون هدفه التماسك الطبيعى بين أفراد عائلته أو قبيلته ليعلى من شأنها بين العائلات والقبائل الأخرى بدون خلل يسىء لها ولتاريخها .
والسؤال الذى يطرح نفسه وبقوة هو، كيف يتم اختيار (شيخ العرب) أو كبير الأسرة فى أى مجتمع من المجتمعات إن كان فى ريف مصر الجميل أو فى بواديها وأطرافها أو بلادنا العربية ذات المكون العائلاتى والقبلى؟ وهل هذا الاختيار خاضع للتلاعب والواسطة والمحسوبية والتدخلات الخارجية من عائلات وقبائل أخرى أم هو نتاج طبيعى لطرح مجتمعى وفطرة سليمة كانت ومازالت تفرز وتفرق بين الغث والسمين بطريقة طبيعية؟.
بشكل مؤكد أن عامل الوراثة له دور فاعل فى اختيار (شيخ العرب) أو ما يقصده العلم الحديث ويسمونه (الجينات الوراثية) فعليها عامل كبير، أو كما يقول المثل الدارج (على الأصل دور)، ولكن ليس من الضرورى أن ينجب (الشيخ) شيخا مثله، وأن يتم الاكتفاء بالعامل الوراثى فهذا الأمر ليس المقياس الوحيد لاختيار (شيخ العرب) أو كبير الأسرة .
فاختيار الشيخ أو كبير الأسرة عملية معقدة تبدأ من نعومة الأظافر، حيث الديوان ووجود كبار السن فى هذا المكان الذى يجمع العائلات (المترابطة) أو القبائل ويبدأ بلهو الأطفال بجوار الكبار فتبدأ عملية الفلترة، حيث تبدأ أنظار الكبار تتفحص الأطفال وتصرفاتهم ففى حالة اللعب واللهو يقول أحدهم (من الذى سيلعب معى)، ويقول آخر (أنا سألعب مع من) وهنا تلفت كلمات الطفل الأول انتباه الجلوس والكبار فهو قائد بشكل طبيعى وتبدأ عملية (صقله) من خلال تقريبه من الكبار فيكون عليه إحضار الحطب والجلوس بجوار (أدوات القهوة)، أى فى وسط جلسة الكبار، وهو صامت تماماً، فيستمع للمناقشات ويتعلم التاريخ وتزداد خبراته يوماً بعد يوم فى حل المشكلات من خلال ما يستمع إليه من مشكلات تثار أمامه يومياً، ثم يجد من يطلب منه الطلب المفاجئ ليتم فحص سرعة بديهته ومقدار كرمه ومروءته، فعند العرب لا سيادة لبخيل ولا قيادة لجبان، فبالكرم سوف يقدم مصلحة العائلة أو القبيلة على مصلحته الشخصية وبالمروءة سوف يجتهد فى خدمة بنى قومه وقبيلته، فإن توافرت فيه صفتى الكرم والمروءة كان له الأولوية فى القيادة حتى لو كان هناك بعض الأخطاء البسيطة وهنا يطبق قول الشاعر:
ألا بالسخاء يغطى كلُ عيبٍ وكم عيباً يغطيه السخاءُ
كل ما سبق يحدث وبشكل طبيعى فى العائلات والقبائل، فإعداد القائد هنا لا يحتاج لواسطة ولا تدخلات خارجية ولا يستطيع شخص ذو إمكانات متدنية حصل على مجموعة من المعلومات من (النت) أن يصبح شيخ عرب أو كبير عائلة، فإعداد القادة هنا يتم بشكل طبيعى ومدروس يتطلب فقط أن يكون المكون الأساسى للقائد موجود فى الشخص نفسه وغير مدعى له، لتتم مراحل صقله فيما بعد بشكل سلس وكلما مر عليه الزمن وجدت معدنه الأصيل يزداد لمعاناً وبريقاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة