فى زمن تبدلت فيه المفاهيم والقيم وانهارت الأخلاق فيه بصورة تأنفها الطبيعة البشرية السوية، ظهرت العديد من الحالات التى كانت فى الماضى موجودة، لكن نادرة وسبحان من هيأ للأمة رجال فى كل عصر من العصور يتدبرون القرآن الكريم وما تواترت عليه الأحكام والآيات، ليضعوا أمام أعيننا أحكاما صالحة للتطبيق والتنفيذ فى المجتمعات.
اللقيط يقصد به ذلك الطفل الذى نبذه أبواه عند ميلاده إما لفقر مُدْقعْ أو زنا أو من علاقة جنسية غير مشروعة وموثقة حسب القوانين والأنظمة والتشريعات فى بعض الدول التى تضع معايير معينة فى توثيق الميلاد والوفاة بدفاتر وسجلات معينة، وعندما ضاقت بذوى الطفل اللقيط السبل كان المجال الوحيد أمامهم إلقائه بجوار دور عبادة أو سلال القمامة فى الشارع العام .
وهنا يقدر الله له من يراه للوهلة الأولى فيقف فى حيرة من الأمر، إما يتركه حيث هو ملقى أو يأخذه إلى بيته أو يقوم بتسليمه لأى مركز من مراكز الشرطة، فالخيار الأول قد جعل صاحبة فى مرحلة ضياع الفرض، وهو احتواء تلك الروح، والثانى يخشى من التكلفة والإنفاق وفرصة ضياع تقريب الطفل من أسرته إن لم يعلن عن ذلك صراحة، والثالث ربما يكون تحت دائرة الضوء ويخشى السؤال عن الطفل الذى وجده والذهاب والإياب إلى المراكز الشرطية حتى يتم تسليم اللقيط إلى جمعيات خيرية تعنى بتلك الأمور .
تمر الأيام ويتعرض اللقيط فى تلك المؤسسات لمعاملة منبوذة، وكأنه سرطان اجتماعى يجب بتره فيكون الشارع هو الملاذ الأخير، ليظهر لنا ظاهرة أطفال الشوارع وما أدراك ما تلك الظاهرة، فقد أصبحت مصنعا لتفريخ الجرائم بشتى أنواعها من سرقات وقتل وبلطجة وتحرشات ووووو ... إلخ.
هنا يجب لنا إمعان العقل السليم فى كيفية احتوائهم وإدماجهم فى المجتمعات واستغلال قدراتهم، فقد اكتسبوا القسوة والبغض للمجتمع بسبب ترك أهاليهم لهم وعدم احتواء المجتمع لهم، فهم قنابل موقوتة جاهزة للانفجار من كثرة الضغوط التى عاشوها فى بداية حياتهم، وعلى المجتمع المدنى الوقوف مع الجهات الحكومية والتعاون فيما بينهم لتذليل تلك المشاكل الناجمة عن تلك الظاهرة الاجتماعية .
يثور التساؤل عن دور المؤسسات الإعلامية وكيفية التعامل مع هذه الفئات العمرية والشرائح التى كان نصيبها أن تكون هكذا، نجد أن الإعلام تناولها بصورة تدعو إلى الاشمئزاز، فنجد فيلم دكان شحاتة وغيره من الأفلام الموجودة فى ذاكرة السينما المصرية تصرخ بأعلى الصوت أبتروهم وتخلصوا من شرورهم.
اللقيط روح بشرية شاء الله لها أن تكون موجودة فى المجتمعات لعدة أسباب منها: -
1ـ الفقر والجوع.
2ـ الحروب والتشرد فى المجتمعات التى أصابها رياح التغيير.
3ـ التعنت فى الموافقة على الزيجات بين المتحابين والمغالاة فى المهور ووضع الشروط التى تجعل الحلال حراماً
4ـ ضعف الوازع الدينى والأخلاقى
5ـ الإعلام والإباحية ووسائل التقنية الحديثة والتقاط الجوانب السلبية فيها لضعف ثقافة المجتمعات .
هناك الكثير من الأسباب التى تؤدى إلى تلك الظاهرة الاجتماعية والتى لو أسهبت فيها ما حواها مقال أو ثلاث .
وهناك الكثير من وسائل العلاج لتلك الظاهرة لو صدقت النوايا لتغيرت ملامح الصورة، وأصبح العلاج فعالا، ويأتى الدواء ثماره فى إصلاح المجتمعات ومنها :
1ـ نشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر دون النظر إلى العرق واللون والجنس .
2ـ المؤسسات المدنية والحكومية والتلاحم بينهما فى تبنى تلك الظاهرة وجعلها مشاريع قومية يتوجب ترويضها لتطوير المجتمعات .
3ـ الإعلام المرئى والمسموع وإظهار النماذج التى يمكن الاقتداء بها من تلك الفئات المنكوبة، والتى تم استغلالها بصورة جيدة بدلا من إظهارها كشياطين وأمراض خبيثة يتوجب بترها .
4ـ إنشاء مشروعات قومية ومراكز متخصصة لاستغلال هذه العناصر الاستغلال الأمثل لتعود أرباحه على تلك الفئات، واحتواء أى فئات أخرى تظهر .
5ـ تفعيل دور الرقابة على الثقافات الواردة إلينا من المجتمعات الأخرى وعقد الندوات والمؤتمرات التى تبين أن الحرية الجنسية لا تعنى قتل الروح البشرية .
6ـ تيسير الزواج وعدم المغالاة فى المهور وتيسير الحلال المشرع تحت عباءة الدولة بدلا من البحث فى الأبواب الخلفية، كالزواج العرفى غير المتوافق مع أحكام الشرع عند ضياع الشروط، مثل الإشهاد والإعلان وإقرار ولى الأمر .
7ـ تعيين عناصر مدربة على درجة عالية من الرقى فى التعامل مع اللقطاء فى المراكز الاجتماعية والمؤسسات الخيرية، وعدم التعامل مع المنكوبين بنظرة من التعالى أو التحقير .
وحرصاً على عدم الإطالة، أستصرخ من أعماقى الكنيسة والمسجد والمعبد فما جاء فى الشرائع السماوية لو تم نشره فى المجتمعات ما وجدنا تلك الظواهر، "فالله محبة" ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها ولا تقتلوا أولادكم من إملاق.
ويبقى السؤال ماذا لو كنت أنت ذلك الطفل اللقيط؟
والإجابة من وجهة نظرى سأهتم بكلمات الكاتب وسأجعل منها عنوانا للتحدى حتى وإن خذلنى المجتمع، وإن تركنى المقربون، لأثبت للعالم أننى الأفضل والأقوى على تحدى الصعاب، ولن تكون كلماته حلماً صعب التحقيق بل واقع ملموس، وما زلت أحلم بيوم يكون فيه الإنسان إنسان أفعال لا إنسان أنساب وعائلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة