ما إن أعلنت الراقصة الاستعراضية سما المصرى عن تلقيها عرضا من إحدى القنوات الفضائية لتقديم برنامج دينى خلال شهر رمضان المقبل، يتناول موضوع عقوق الوالدين، انفجرت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى وبرامج التوك شو، بالكتابة والمتابعة، فالنبأ يبدو مثيرًا، "راقصة تقدم برنامجًا دينيًا"!
لم تسلم الراقصة، التى اشتهرت بمواقفها السياسية المثيرة للجدل أكثر من اشتهارها بما تقدمه، سواء من فن رآه كثيرون "هابطًا ومبتذلًا"، من التلسين والسخرية، فضلًا عن التساؤل عن حق الراقصة، والفنانة بصفة عامة، فى التحول لدور الداعية؟ وأسئلة أخرى من قبيل السخرية كـ"هل تلعب الراقصة سما المصرى عبر برنامجها الدينى المرتقب دورًا فى تجديد الخطاب الدينى؟".
الراقصة الاستعراضية سما المصرى
داعيات الفن.. من أفلام المقاولات إلى "بيزنس الدين"
رغم أن الخبر لم يكن فى النهاية سوى "بروباجندا" مصطنعة، غرضها استعادة بعض الأضواء الإعلامية، فإن الأمر يستحق التوقف أمامه بالتحليل، خاصة أن كثيرين لم يلتفتوا إلى أن ظاهرة الراقصة الداعية، والفنانة الداعية، ليست ظاهرة جديدة، وإنما عرفتها مصر أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات!
حقًا، لم تكن سما المصرى ظاهرة فريدة من نوعها، ولن تكون، حال تحولها من راقصة الصفوف الخلفية إلى مقدمة البرامج الدينية الدعوية، وإنما سيكون الأمر مجرد تقليب لتربة مهدتها "أخوات سما" السابقات فى المهنة، سواء "الفن الهابط" أو الدعوة الدينية، وأشهرهن الممثلة المعتزلة والداعية شمس البارودى، نجمة أفلام السبعينيات ذات الطابع التجارى، أو "أفلام المقاولات".
بعد حرب أكتوبر 1973، وارتفاع سعر البترول عالميا، انفتحت مصر على دول الخليج، واعتمدت سياسات الانفتاح الاقتصادى، وبدأ تدفق، أو لنقل غزو، من السلفيين والوهابيين، وبدأت نظرة المجتمع تتغير تدريجيًا فى الفن، الأمر الذى ترافق مع صعود حاد للتيارات الإسلاموية الراديكالية، بتحالف قائم بين النظام السياسى وقتها والجماعات الإسلاموية.
بدأ المد الإسلاموى فى الصعود، ونشر الثقافات البدوية بين قطاعات عريضة من الشعب، حتى وصل إلى شرائح الفنانات والعاملات بمجال الإبداع، لتشهد مصر ظاهرة الفنانات المحجبات، بدءًا من أواخر الثمانينيات تحديدًا، وامتدت الظاهرة حتى رددت الصحافة معلومات وإشارات عن وقوف بعض التيارات الإسلاموية بالمال وراء التحول، خاصة أن كل ممثلة اعتزلت وقتها، كانت تتحول فورًا إلى داعية، وهو ما حدث مع شمس البارودى، التى تحول معها زوجها الممثل حسن يوسف بالطريقة نفسها، ليعملا معًا على تأسيس شركة إنتاج شرائط كاسيت "إسلامية قطعًا"، وهى الشركة ذاتها التى كانت تنتج أعمالًا سينمائية فى وقت سابق، الأمر الذى يشير بقوة إلى كون الدعوة "وظيفة" بديلة عن "التمثيل"، وهو ما يدعم ضلوع التيارات الإسلاموية فى تغذية النزعة!
شمس البارودى
من شمس لـ"سما".. طابور من الداعيات "بلا داعى"
تتوقف عن التمثيل اليوم، لتبدأ الممثلة الاستعراضية إصدار الفتاوى على شاشة التليفزيون، أو فى حلقات الدعوة أو عبر شرائط الكاسيت، هكذا فعلت شمس البارودى فى فبراير 1982، لتنال لقب "ممثلة معتزلة"، وترتدى الحجاب وتعلن التبرؤ من أعمالها كافة، التى بلغت 41 فيلمًا، ووصفتها بأنها "تغضب الله"!
من حق الإنسان طبعًا الاستمرار فى طريق ما، أو التحول إلى طريق آخر، وفق قناعاته وأفكاره، التى يحق له تغييرها طوال الوقت، ولكن يظل السؤال مشروعًا عن مدى قدرة شمس البارودى على التحول الجاد والعميق والفاعل إلى داعية؟ ومتى امتلكت أدوات المعرفة التى أهلتها للانتقال من أدوار الإغراء، كممثلة بأدوات متواضعة يلجأ إليها المنتجون فقط لجمالها، إلى دور الداعية الإسلامية، لتعقد المجالس للفنانات "التائبات"؟! وهو ما روته "البارودى" نفسها فى كتابها "رحلتى من الظلمات إلى النور"، وهو فى الأصل حوار صحفى مطول أجرته معها الإخوانية عزة الجرف.
حنان ترك
من شمس البارودى، إلى هناء ثروت ونسرين وحنان ترك، وبينهن كثيرات وكثيرات، مثل حلا شيحا التى تحولت من ممثلة إلى داعية بمركز دينى، بعد زواجها من كندى ملتحٍ على الطريقة السلفية! تتضح الصورة بشكل أكبر، إذ إن إمكانية تحول أى راقصة إلى مجال الدعوة الدينية ليست مستبعدة، غير أن الجديد بالنسبة لـ"سما المصرى"، وحال تقديمها برنامجا دينيا بشكل فعلى، أنها ستجمع بين المهنتين لأول مرة!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة