فى أحد الأيام سأل كاتب ناشئ (برنارد شو) قائلاً: "أريد أن أكتب شيئًا لم يكن قد كتبه أحد من قبل، فماذا تُشِرْ عليَّ؟" فأجابه (برنارد شو): "الأمر فى غاية البساطة، اكتب رثاءك!!" . وعلى غرار ذلك، ترانا لو أُتيحت لكل منا فرصة كتابة رثائه، فماذا سيكتب؟! هل سيكتب عن نفسه كما هى على حقيقتها، أم تُراه سيكتب ما يريد أن يصف به نفسه، حتى ولو كان على خلاف الحقيقة.
فللأسف، نحن عندما نتحدث عن أنفسنا، كثيرًا ما نتناسى حقيقتها، ونبدأ فى سرد أمور، أو حتى تأويل مواقف وفقًا لرؤيتنا نحن، وليس وفقًا للحقيقة والواقع، والغريب أننا نُصدق أنفسنا، فنحن أساتذة فى تصديق كل ما يجعلنا فى مصاف الملائكة، أما ما دون ذلك، فهو أمر ترفضه عقولنا، وكأننا مُنَزَّهون عن الهوى، فنرفض إدانة أنفسنا، ولا نسمح لتأنيب الضمير أن يكون له وجود فى حياتنا، ونستمتع باللوحة العظيمة التى نُنْسِجها عن أنفسنا، فأظن لو كل منا كتب رثاءه، لتحولنا جميعًا إلى ملائكة تسير على الأرض، فسبحان الله، الإنسان لديه بصر من حديد فى رؤية مثالب وعيوب الآخرين، أما عند نفسه فيقف ويجد المبررات تنهال على فكره ولسانه وقلبه، لا يُوقفها صوت ضمير ولا لحظة صدق .
وهكذا، حال أغلب البشر، لاسيما المُغرمين منهم بأنفسهم، فأظن أن هؤلاء الأفضـل لهم عند كتابة وصيتهم أن يكتبوا معها رثاءهم؛ لأنهم قطعًا سيُبدعون فى وصف أنفسهم، ولن أقول لهـم سوى: "اكتبوا رثاءكم" .