يبالغ بعض مدربى التنمية البشرية فى كفاءة قانون الجذب، وهو أحد قوانين العقل الباطن، وينص قانون الجذب الفكرى هذا على أن قوة أفكار الإنسان لها خاصية جذب كبيرة جداً، فكلما فكر فى أشياء أو مواقف سلبية اجتذبها إليه، وكلما فكر أو تخيّل كل شىء جميل يريد أن يصبح عليه أو يقتنيه فى حياته فإن قوة هذه الأفكار الصادرة من العقل البشرى تجذب إليه كل ما يتمناه، ويتخطى هؤلاء قدرات هذا القانون، فأوهموا السذج بأنهم قادرون على تحقيق المستحيل بمجرد التفكير فيه، وتخيّل الخير والنجاح فى حد ذاته شىء طيب فهو يعين الشخص بلا شك، ولكن بدون توقع المستحيل، وقانون الجذب فيه عدة مخالفات عقلية وشرعية (وكما جاءت فى أحد كتبى المعتمدة من الأزهر) ومنها:
1 - مصادمته للشرع بالتعلق بالسبب رغبة وسؤالاً وطلباً، دون مسبب الأسباب.
2 - مصادمته للعقل والواقع لأن الاعتماد على الأمانى والأحلام فقط يعنى خراب العالم، فلابد من العمل والاجتهاد.
3 - غلو القانون فى تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة.
وهناك بدائل فى الشرع لقانون الجذب، وهو قول الله تعالى فى الحديث القدسى (أنا عند ظن عبدى بِى إن ظَنَّ خَيْراً فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شراً فَلَهُ ).
وقال الإمام المناوى فى شرح هذا الحديث "فالمعاملة تدور مع الظن فإذا أحسن ظنه بربه وفى له بما ظن .
وقد وجدت قصة قديمة لرجل طبّق على نفسه قانون الجذب بالشكل المعاصر فقال ابن الجوزى فى أخبار الحمقى تحت عنوان "حكم على نفسه بالموت .
" عن أبى محمد قال: كان يلزمنى فتى حسن الخط مليح الشعر، إلا أنه كان سوداوياً، فحكم لنفسه أنه يموت فى اليوم الفلانى، فجاء ذلك اليوم وهو صحيح، فخاصم امرأته وترقى الشر بينهما إلى أن أخذ عمود الهاون ودق به رأسها فماتت، فجزع جزعاً شديداً فقال: قد علمت أنه يوم قطع على، ولابد أن أموت فيه، والساعة يجىء أصحاب الشرطة فيأخذونى فيقتلونى، فأنا أقتل نفسى عزيزاً أحب إلى، فأخذ سكيناً فشق بها بطنه، فأدركته حلاوة الحياة، فلم يتمكن من تخريقها فسقطت السكين، فقال: هذا ليس بىشىء، فصعد إلى السطح فرمى نفسه إلى الأرض فلم يمت واندقت عظامه، فجاء صاحب الشرطة فأخذوه، فلما كان آخر الليل مات".
ومما يلحق بقانون الجذب الفكرى النهى الشرعى عن عدم الاعتقاد فى التشاؤم، فعن الصحابى مُعَاوِيَة بْن الْحَكَمِ أنه قال لِلنَّبِى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ (يتشاءمون) قَالَ ذَاكَ شَىءٌ يَجِدُونَهُ فِى صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدُّهُمْ» وَفِى رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدُّكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَعْنَاهُ أن الطِّيَرَةَ شَيىءٌ تَجِدُونَهُ فِى نُفُوسِكُمْ ضَرُورَةً وَلَا تَكْلِيفَ بِهِ لَكِنْ لَا تُمْنَعُوا بِسَبَبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ، قَالَ فِى النِّهَايَةِ الطِّيَرَةُ هِى التَّشَاؤُمُ بِالشَّيىءِ يُقَالُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً ".
ولعل النهى عن تمنى الموت من أحد الأسباب النفسية لتوقعه فيمرض فيموت، فعن أَنَسٌ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ: لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوُا المَوْتَ» لَتَمَنَّيْتُ.
وهناك قول مشهور يظنه البعض حديثاً يدل على قانون الجذب وهو "تفاءلوا بالخير تجدوه" وإن كان معناه حسن، إلا أنه ليس بحديث شريف.
والمقصود ليس مجرد التلفظ بألفاظ الدعاء، وإن كان هذا حسناً، وصاحبه مأجور، بل ما هو أبعد من ذلك من استجماع القلب والفكر على الثقة بالله، وصدق وعده فى الكتاب الكريم:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) سورة البقرة 186.
إن النظرة السوداوية كفيلة بسجن صاحبها فى قبر مظلم كثيف الرطوبة، فاسد الهواء.
ويرى البعض أن سورة يوسف فى القرآن أشارات إلى أمر التوقع والانجذاب كخشية الأب من أكل الذئب ليوسف وقد حدث، وكذلك تذكر يوسف عليه السلام للسيد وقد أتى! وغيرها من الأمور، وهذا بلا شك من قدر الله.
وخلاصة الأمر: يجب عدم المبالغة فى هذا الأسلوب من التفكير والمسمى بقانون الجذب.