ما أن يطل علينا شهر (رجب) إلا واستمعت لتلك الكلمات من والدى متعه الله بالصحة، ولا أخفيكم سراً أننى لم أعرف قيمة ولا قدر تلك الكلمات إلا منذ أيام، وخاصة بعد الأحداث الدامية التى شهدتها مصر والتى حدثت وبالمصادفة فى شهر رجب، فلم أجد مفراً من الاستفسار من والدى عن سبب مقولته المتكررة وفى هذا الشهر خاصة، وهل الكلمات لمجرد (السجع) فقط؟.
فيكون جواب والدى قوى ومباشر جعلنى أخجل من نفسى حيث قال لى (أى تعليم تعلمتم وفى أى مدارس درستم؟)، ويسترسل هل تعلم يا بنى شيئا عن الأشهر الحرم أم أن ثقافتكم (أجنبية)؟، ألم تقرأ قول الله تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)، الآية 36 من سورة التوبة _ وهل معقول يا ولدى بعد هذا التقدم العلمى والرقى الفكرى نترحم على عهد الجاهلية الذى سبق نزول الإسلام؟.
ألم تتعلم يا بنى أو تدرس أن الأشهر الحرم كانت مقدسة حتى فى عصر الجاهلية، وأن الرجل فى الجاهلية كان لا يأخذ بثأر أبيه فى تلك الشهور رغم الحمية القبلية التى حاربها الإسلام ليجعل من الناس أمة واحدة، ولكننى أسأل والدى ولكنى استمع لمقولتك دائما فى شهر رجب فقط، فيقول "يا ولدى لأنه شهر منفرد يغفل عنه الناس فلا يتذكره إلا القليل فلا يولونه الاهتمام الكافى رغم حرمته، ورغم وصية ربنا لنا آلا نظلم أنفسنا فى هذه الأشهر الحرم، ورغم ذلك تراق فيه الدماء وكأننا يا ولدى لم نصل حتى لعقلية الجاهلى الذى كان يحترم الأشهر الحرم بالفطرة.
تركت والدى ليكمل ورده وتسبيحه وجلست أتساءل بينى وبين نفسى ألهذه الدرجة جهلنا حتى أن العصر الجاهلى سبقنا بفكره والتزامه بمنهجية الله (سبحانه وتعالى)؟ وهل من المعقول أن نغفل عن حرمة هذا الشهر ونحن نتشدق بالإسلام وندعى ظلما وعدوانا اتباعنا لسنة نبينا عليه الصلاة والسلام؟ فأى إسلام نتبع ونحن لا نعظم حرمات الله وشعائره التى جعل تعظيمها من (تقوى القلوب)؟، وأى تقوى تلك التى تجعل عالمنا الإسلامى على وجه الخصوص يعج بالقتل والدمار واستباحة المحرمات واستحلال قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق؟.
وماذا سنقول لرسولنا الكريم الذى قال عنه رب العالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقال عنه (وإنك لعلى خلق عظيم)؟ فماذا سنقول له وقد خالفنا منهجه وتوجيهه، فقد دعانا رسولنا الكريم إلى (حسن الخلق) فهل من حسن الخلق نقض العهود والقتل وسفك الدماء فى الأشهر الحرم، وهل البحث عن السلطة والتنافس على الكراسى يبيح للبعض استحلال القتل والدمار وتشريد الناس فى مثل هذا الشهر المحرم؟.
أسئلة كثيرة تلاحقت فى خاطرى وأنا لا أكاد أصدق ما وصلنا إليه من حال مذرى، فلا التزام بدين اتبعنا ولا تعامل إنسانى انتهجنا لدرجة جعلت العصر الجاهلى وما كان فيه من موبقات يتفوق علينا من خلال التزامه بحرمة الشهور التى جعلها الله سبحانه وتعالى محرمة عند خلقه للسماوات والأرض، فهل نفيق من غفلتنا أم أننا نستحق أن تتداعى علينا الأمم لتنهب ثرواتنا وتفرق كلمتنا لأننا تنافسنا على الدنيا والملك وتركنا الالتزام بكلام مالك الملك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة