أحاول أن أتذكر كيف وصلت إلى هنا، ولكن آخر ما أذكره هى صرخات الركاب بعد أن أخبرهم طاقم الطائرة أن هناك قوة مجهولة تجذب الطائرة إلى أعلى مع فقدان تام للسيطرة عليها.
لا أعلم أين أنا الآن! إنه مكان عجيب. يبدو أننى سقطت فى صحراء لم نقرأ عنها من قبل فى كتب الجغرافيا التى درسناها، إنها صحراء غريبة ذات رمال ناصعة البياض، لا أرى شيئا حولى سوى رمال بيضاء.
يا الله! ماذا جرى للسماء؟! السماء ليست زرقاء كما نعرفها إنما هى ملونة بألوان قوس قزح.... لعلها ظاهرة الشفق القطبى؟!
إذن فأنا فى أحد القطبين الشمالى أو الجنوبى.!!
كيف وصلت إلى القطب؟! كانت طائرتى متجهة إلى الهند فكيف لى أن أصل إلى هنا!، ولكننى لا أشعر بأى برودة على الإطلاق بل أن العرق يترقرق فوق جبينى!! ثم أين الجليد إن كنت فى أحد القطبين!! لا جليد هنا إنما فقط رمال بيضاء!
إذن فأين أنا؟ وكيف وصلت إلى هنا؟!
مشيت قليلا محاولا استكشاف هذا المكان الذى لا أرى فيه شيئا مألوفا بالنسبة لى إلى أن وجدت الطائرة التى كنت مسافرا على متنها راقدة فوق الرمال. أسرعت تجاهها ولكن...!!
ما هذا؟!
يد عملاقة تمسك بى.. ما هذا؟!
ما الأمر؟! لمن هذه اليد؟!
لعلى أصبحت فريسة لأحد الوحوش الضخمة؟!! أم أن الأقدار قذفت بى إلى مملكة من ممالك الجان؟!!
وقعت عيناى أخيرا على وجه صاحب اليد العملاقة فوجدته أقرب ما يكون إلى القطط ولكنه بلا فراء.
تذكرت "جعفر" ولسان حالى يقول (مدد يا جعفر)، فلو كان حاضرا معى لربما استطاع أن يمنع عنى أذى هذا القط العملاق حين يخبره أننى رجل طيب غير مؤذى وأننى صديقه الحميم وأحكى له عن وجبات السمك الشهية التى أقدمها له.
آه يا جعفر فلو كنت حاضرا معى لربما أخبرته عن دفاعى عنك أمام صراخ زوجتى بعد كل مرة تجد فيها أثار مخالبك الحادة فى أثاث المنزل. أين أنت منى الآن يا جعفر لتتوسط لى عند عملاق بنى جنسك الأصلع!
أغمضت عيناى واستسلمت لقدرى فقد أيقنت أننى سأكون وجبة – ربما تكون شهية- لقط عملاق.
شعرت باقترابى من وجهه فأنفاسه تهب كالريح. لم أستطع أن أمنع نفسى من إلقاء نظرة أخيرة إلى مثواى، فاستطعت أن أفتح عينا واحدة بينما آثرت الأخرى أن تغلق عليها جفنيها لتحتمى خلفهما من بشاعة ما يمكن أن تراه. وإذا بيد القط تسلمنى إلى فمه !!
ولكن ما هذا!! إنه لم يلتهمن كما تصورت بل حملنى بأسنانه التى غرسها فى ملابسى. إنه يحملنى كما تحمل القطط صغارها !
لعله استطاع أن يشم رائحة "جعفر" بملابسى فأنس إلى!! أو ربما كان جعفر مبروكا فشعر بى وصنع كرامة لينقذنى!!
ولم لا يكون آخذنى إلى صغاره ليطعمهم إياى!!
عدت إلى استسلامى ورضيت بأى مصير وأنا مغمض العينين طوال الطريق محمولا بين أسنانه إلى أن بدأت أسمع خليطا من أصوات مواء القطط تتخللها أصوات بشرية. تنوعت الأصوات البشرية ما بين صراخ، بكاء وضحكات هيستيرية.
نظرت فوجدت ركاب الطائرة وقططا كثيرة. لم أجد أى أثار دماء أو بواقى أجسام بشرية، يبدو أن الوليمة لم تبدأ بعد أو أنهم لا يأكلون البشر!
وقف الأصلع العملاق أمام عملاق آخر يصغره فى الحجم كثيرا ويحمل منه شبها كبيرا، يبدو أنه ولده. ثم تمت عملية إنزالى من فمه إلى الأرض بنجاح. أصبح الآن من الواضح أننى هديته لصغيره.
أين أنت يا جعفر لترى صديقك المحترم وقد صار فريسة لصغار القطط العملاقة دون كبارها!
لم أدر بنفسى إلا وأنا أنظر إلى الأب العملاق وأصرخ فى وجهه حتى أحتفظ أمام نفسى ببعض كرامتى التى أهدرها هذا الضخم. أعلم أنى سأغضبه وربما تكون آخر لحظة فى حياتى، ولكن فليمت المرء وهو يصون كرامته.
صرخت فى وجهه ولكنه لم يفعل شيئا! فصرت أصرخ وأسبه أكثر وأنفث عن غضبى وخوفى المكبوتين. استدار ومشى خطوات قليلة ثم عاد نحوى حاملا إناء به حشرات ذات أحجام كبيرة فكانت الواحدة منهم فى حجم خروف صغير.
وضع الإناء أمامى ثم أومأ برأسه ومسح على رأسى بيده الضخمة دون أن يؤذينى. لقد فهمت أنه يقدم لى الطعام!
يبدو أنه عملاق طيب قد ظن أننى أصرخ جوعا فيريد إطعامى. جثوت على ركبتى أمام الإناء وأنا أبكى حالى.
أين أنا وما الذى أتى بطائرتنا إلى هذا المكان وأين هذا المكان من خريطة العالم؟، اقترب منى العملاق الابن ثم أخرج لسانه ليلعقنى فأغمضت عينيى وصرخت صرخة عالية خرجت من أعماق صدرى.
فإذا بصوت كصوت زوجتى يجيبنى: لا تخف
فتحت عينى فإذا بجعفر يلعق وجهى فى حنان ليوقظنى من النوم وإذا بزوجتى تقول لى:
لا تخف إنه كابوس من كوابيسك المعتادة...أرجوك إما أن تزور طبيب نفسى أو تطلقنى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة