قد يظن البعض أن الموهبة، منحة سماوية خاصة، توجد عند بعض الأفراد، ولا توجد فى عموم الناس، فالموهوب عندهم هو الذى يمتلك قدرات خاصة فى أحد المجالات يتميز بها عن الآخرين، والحقيقة أن الله سبحانه، قد فطر الناس ومنح كل منهم موهبة وميزة يتميز بها يمتلك فيها قدرات عالية يتفوق بها على الآخرين، والمحك فى ذلك هو اكتشاف الموهبة والعمل على تنميتها، أو إهمال الموهبة وعدم اكتشافها بالأساس هو الذى ينتج عنه ما نسميه إنسانا موهوبا وآخر لا يمتلك الموهبة، يتفق ذلك وتعريف كارترجو للموهبة بأنها (القدرة فى حقل معين، أو المقدرة الطبيعية ذات الفاعلية الكبرى نتيجة التدرب مثل الرسم والموسيقى ولا تشمل بالضرورة، درجة كبيرة من الذكاء العام ).
وعليه فإن الأمم متى أدركت هذه الحقيقة، وسعت بجهود حثيثة لاكتشاف المواهب والعمل على تنميتها، كان ذلك إيذانا بالتقدم والازدهار، ومتى أهملت هذا الجانب الذى يعد الركيزة الأولى فى بناء الأوطان، كان التخلف والانحطاط حليفها، فالأمم إنما تحيا بحياة الإنسان فيها، ومعنى حياة الإنسان لا يقتصر على الشهيق والزفير، بل بما هو أسمى من ذلك بفرض الروح الواعية وإعلاء قيمة العقل واحترام الحقوق، وأداء الواجبات والالتزامات، لذلك تسابق المسلمون فى عصور العزة على رعاية الموهوبين، من حيث الإنفاق وتوفير المناخ الذى يساعد على تنمية المواهب حتى تؤتى الثمرة المرجوة منها، فكان أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب لا يألو جهدا حيال هذا الأمر، فلطالما قرب ابن عباس لما لمسه من نبوغه، وقوّى ثقته بنفسه، وغذى همته، كذلك فعل الخليفة هارون الرشيد، حيث أغدق العطايا والصلات لطلبة العلم والعلماء، دلائل كثيرة يحملها التاريخ بين طياته تؤكد على أن الأوطان إنما تبنى برعاية مواهب أبناءها وتشجيعهم.
ورغم ذلك مازال المسئول الوطنى يغض الطرف عن الإرادة الحقيقية التى بها يمكن للأوطان أن تحيا بعزة وكرامة، فبدلا من رعاية الموهبة شتتنا ذهنها بشظف العيش، والبحث عن لقمة العيش والتقاطها من بين الأسنان والأظافر، والأدهى والأمر أن تذهب الموهبة، غضة ندية، جوهرة ثمينة إلى المدرسة، التى بدورها تقتل الموهبة، وتمحوا الروح الواعية، بإدارتها بروتينها بمناهجها، ولا أدل على ذلك، من أن الغالبية لا تتعلم ولا تعمل ما تحب، ولا تحب ما تعمل ولا ما تتعلم، ورغم أن الجميع يعلم أن جميع مؤسسات الأوطان فى شتى المجالات تقتل الموهبة وتؤخرها ولا تقدمها، وكأن التفكير حصرى على فئة بعينها، ولا يتحرك أحد، ولسنا نرى إرادة حقيقية فى بناء الأوطان، على الرغم من أنه يوجد بيننا الكوادر التى تستطيع أن تفعل شيئا لما لها من مكانة علمية، وفكر ثاقب ولكن افتقاد الإرادة هو من يدفع بهؤلاء إلى المؤخرة .
جدير بالذكر، ما ورد فى كتاب "رعاية النابغين فى الإسلام وعلم النفس": "أن رعاية الموهوبين، أهملت فى أوروبا وأمريكا حتى بداية القرن العشرين، بسبب سوء فهم هذه المجتمعات للنابغين، ولعل سبب ذلك هو ظهور بعض المؤلفات التى سعت إلى إثبات أن النابغة، ليس إنسانا سويا، ثم بدأت فكرة الغرب تتحسن بالنسبة للنابغة بعد أن ظهرت مؤلفات تثبت أن النوابغ أصحاء نفسيا، ورغم ذلك ظل الاهتمام بهم يعد ترفا تربويا ولم يبذلوا جهدا فى الكشف عنهم إلا بعد أن أطلق الروس مركبة فضائية سنة 1957 حيث شعروا بالخطر من تفوق الروس عليهم، وجندوا علماء التربية وعلم النفس والاجتماع، وعقدوا المؤتمرات والندوات لتخطيط وتنظيم رعاية فئات الموهوبين وتشجيعها على اظهار نبوغها فى شتى المجالات .
تقدم الغرب بذلك وتأخرنا رغم أن المسلمين هم أول من عمل على رعاية الموهوبين، إلا أننا مازلنا بحاجة لمن يعلى من قيمة الأوطان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة