النقوش الفرعونيه فى جبال تشاد تروى حكايات الشموخ ووحشة النسيان

الأحد، 19 مارس 2017 02:13 م
النقوش الفرعونيه فى جبال تشاد تروى حكايات الشموخ ووحشة النسيان نقوش فرعونية ـ صورة أشيفية
انجمينا (أ ش أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى رحلة تحفها المخاطر وتغلفها قسوة الطريق ووعورة الدروب، زار موفد وكالة أنباء الشرق الاوسط إلى تشاد مناطق تضم نقوشا أثرية تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام، تشير الدلائل إلى أن اجدادنا الفراعنة حفروها تخليدا لزمن الشموخ الذى بقيت تلك الاثار شاهدا عليه، سواء على شواهد الجبال أو داخل الكهوف التى سكنوها فى منطقة تقع على الحدود بين تشاد والسودان وليبيا .

وفى الطريق إلى منطقة " تيبستى " التى تبعد حوالى 2000 كيلومتر عن العاصمة التشادية انجمينا حيث سلسلة جبال " ايميكوسى " التى تبلغ ارتفاعاتها 3415 مترا، كانت رحلة الاكتشاف تمضى عبر الطرق الترابية شديدة الانحراف والوعورة، لا زاد فيها غير الماء وقليل من الطعام وكثير من الصبر والجرأة، فالهدف هو المرور إلى مثلث الحياة فى مناطق " بوركو وآنيدى انتهاء باقليم تيبستى " تلك المنطقة التى تضم أكبر خزان للمياه فى العالم، والتى استمد الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى من نبعها بدايات مشروع "النهر العظيم " .

فى تلك الرحلة التى قادنا فيها " دليل الصحراء" تتبعنا الطريق الذى سار فيه المؤرخ والرحالة الالمانى " ناتيجال" عام 1869 حيث اكتشف خلالها الصحراء الكبرى والجبال والواحات والنقوش الفرعونية، قبل أن تبدأ رحلة أخرى للمؤرخ وخبير الاثار ايف كوبنز عام 1959 ثم الرحلة الاشهر للخبير ميشيل برينو الذى اكتشف آثار أول انسان على الارض واطلق عليه اسم " توماي" والذى يبلغ عمره ستة ملايين سنة وذلك فى صحراء "جراب" على بعد حوالى 800 كم شمال العاصمة انجمينا .

كانت أول الحواضر التى مررنا بها بعد الخروج من العاصمة انجمينا هى منطقة ساكورى لنبدأ طريق الصحراء الكبرى مرورا بمنطقة " صلال " ثم " كوبا اولانجا" حتى وصلنا إلى منطقة " فيا " وسط الصحراء والتى تحكى أول النقوش التى صادفتنا فيها تباشير تواجد الفراعنة، حيث توضح تلك النقوش المترامية نماذج من حيوانات الرعى التى كانت عماد اقتصاد تلك الايام، تركها رجال تلك الحقبة التاريخية شاهدا على حضارتهم ووجودهم المؤثر فى تلك المناطق، ولم ينسوا أن يتركوا بعضا من أدوات الحرب والمعيشة التى كانوا يستخدمونها .

لم يستغرف مكوثنا فى تلك المنطقة " فيا " كثيرا من الوقت، وتركنا تلك النقوش القليلة شاخصة لنتجه إلى أعماق الصحراء حيث سلسلة جبال " آنيدى " .

فى تلك المنطقة " آنيدى " التى تبعد 1300 كم شمال العاصمة انجمينا تصل درجات الحرارة فى هذا الوقت إلى حوالى 45 درجة مئوية إلا أن الله حباها بالامطار الغزيرة الموسمية التى جعلت منها نهرا من الخضرة وسط الصحراء القاحلة، فى مشهد قلما تجد له مثيلا فى العالم، حيث أنتج المطر وما نشا بسبب من مجتمعات حياة برية فريدة رشحتها لان تحتفظ بلقب " حدائق الصحراء "، حيث يوجد بالمنطقة أكبر احتياطيات الحيوان فى القارة الافريقية، ويوجد الغزال البرى بوفرة بالاضافة إلى الابل والاغنام والقرود .

وعلى تخوم "أنيدى " بعيدا عن تلك الواحة الخضراء التى وضعتها اليونسكو كأحد معالم التراث الانسانى باعتبارها مناطقة نادرة الخصوصية، تقف سلاسل الجبال بكهوفها شامخة تحوى فى جنباتها نقوشا فريدة، تصف حياة عاشها أجدادنا ومعارك خاضوها للبقاء على قيد الحياة، سواء مع البشر أو الحيوانات البرية التى كانت مصدر خطر لهم، حيث أن تلك المناطق التى كانت يوما مقرا وسكنا لحياة يانعة أنتجت حضارة بشرية غير مكتشفة حتى الان، لا توجد بها أى حياة، فمنذ آلاف السنين وتلك الجبال لا شجر بها ولا بشر، فقط ينطق الحجر صارخا يشكو العزلة والغربة .

بعد أن أكملنا زيارتنا لمنطقة " آنيدي" واصلنا السفر عبر الصحراء الكبرى لمسافة تبلغ حوالى 700 كم متجهين إلى المخزن الاكبر للنقوش والاثار الفرعونية بمنطقة " تيبستي"، وتجولنا عبر مجموعة من الكهوف لنحصر حوالى 500 نقش وأثر تحكى حياة من عاشوا فى تلك الفترة، وتركوا رسومهم بالوانها التى مازالت تحتفظ بزهوتها حتى اليوم، يبرز فيها اللون الاحمر والاسود والاصفر بقوة، فى لوحة جمالية كأن الجبال هى التى كونتها، تقول " كانت توجد هنا حضارة"، ربما غاب عنها البشر، لكنه ترك الحجر ليحكى الحكاية .

وأهم ما يتبادر إلى الاذهان خلال تلك الرحلة هو ضرورة أن يكون لنا بعثات أثرية وخبراء فى هذا التراث وفقا للتوجه الكبير الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى نحو أفريقيا لأن ذلك كفيل بأن يعيدنا إلى أرض الاجداد، لتبدأ قصة وحكاية جديدة، ونؤسس لنمط جديد من الحضارة، نستبدل فيه البشر مكان الحجر والتكنولوجيا مكان الرعى، ونعيد انتاج الحضارة الزراعية التى أسسها الفراعنة فى تلك المناطق مستفيدين من نعم الطبيعة .

وبعد ثلاثة أيام استغرقتها رحلة الاكتشاف، عبرنا الطريق مرة أخرى للعودة بالسيارة رباعية الدفع، بصحبة دليل الصحراء، الذى يمثل أهم عوامل الاستمرار على قيد الحياة، لأن الدخول إلى أحد الدروب الخطأ قد يكلف الانسان حياته بعد رحلة من التيه داخل ممرات تلك الصحراء مترامية الاطراف التى يطلق عليها التشاديون " الصحراء الممنوعة، فلا يوجد أى مصدر للحياة خارج نطاق الواحات المتناثرة فى مسافة ال 2000 كيلو متر، ولا طريق للعودة سوى الطريق الذى يرسمه لك الدليل الصحراوى المرافق .

ربما يخفف وطأة الرحلة تلك الوجوه الطيبة التى تتخفى خلف اللثام الواقى من وهج الشمس الحارقة، ففى تلك المناطق تسكن القبائل الصحراوية ومنها " التبو"، وهم بدو رحل يعيشون على الرعى، ويتنقلون بمواشيهم عبر تشاد وليبيا والنيجر، بالاضافة إلى قبائل الزغاوة ومعظمهم يدينون بالاسلام ويتحدثون لغة تعرف بلغة " القرعان" .

ورغم قسوة الحياة فى تلك الصحراء القاحلة التى رسمت اجساما نحيلة فارعة الطول، إلا أن تريبهم بالضيوف والكرم الذى يستقبلونك به، وتلك الابتسامة التى لا يظهر غيرها من لثامهم، ربما تعطى لتلك الرحلة الخطرة طعما آخر، وتبقى شاهدة على أن الخير والسلام يمكن أن يحل أينما حل الانسان، وأن هذه الشعوب تحتاج منا الكثير، وأن هناك مسئولية أخلاقية تطالبنا بالعودة إلى الجذور لنكمل طريق الحضارة الذى بدأه أجدادنا الفراعنة داخل صحراء افريقيا، وتركوا لنا شواهد لمجد وحضور يمكن أن يعود بالوقوف إلى جانب تلك البلاد والمشاركة فى تنميتها ورسم الطريق نحو تطورها، بعيدا عن مطامع المستعمرين الذين كرسوا منطق التخلف والحياة البدائية حتى لا تنهض الشعوب الافريقية .







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة