محمد أبوهرجة يكتب: يحدث فى مصـر

الذوق العام والمنحنى الأخلاقى للشعب والخيال والإبداع وما تلعبه الدراما والسينما والبرامج الكوميدية فى بناء صورة ذهنية عن مصر فى العالم. الموضوع مهم وشائك ويحمل نتائج خطيرة مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الذى يؤثر بصورة مباشرة على كل فئات المجتمع.

الأعراض تتمثل فى برامج كوميدية ساخرة تهدف لإضحاك الناس فى المقام الأول بأى طريقة وبأى شكل بعيدا عن أى مضمون أو فكر أو ثقافة أو وعى بخطورة المعالجة وما يمكن أن تكون سببا فى تكوين صورة ذهنية سلبية عن مصر والمصريين بشكل يضر بالسياحة والاقتصاد على المدى البعيد. قنوات خاصة تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها وحاجة الناس للضحك فتسيىء بشكل كبير لمصر والمصريين. وأن نكون مادة للسخرية فى العالم العربى. ومقولة أن المصريين شعب إبن نكته ويسخر من أزماته بالسخرية أرى أنها استُخدِمت أسوأ استخدام وأضرت بالمجتمع المصرى بالخارج.

لماذا لم يقدم فريد شوقى فى فترة الستينيات والسبعينيات البرامج التليفزيونية ولماذا لم تقدم الفنانة شادية برنامج غنائى ولماذا لم نشاهد عادل إمام يقدم برامج تليفزيونية؟ ولكن اليوم اختلطت الأمور فتجد المطرب أصبح ممثلا. والممثل مقدما للبرامج ومخرجا إن أمكن ومؤلفا أحيانا ويشارك فى السيناريو لو تطلب الأمر ولم يقتصر هذا الخلط على الفن فقط فتجد عضو مجلس إدارة إتحاد الكرة صباحا هو نفسه مذيعا فى البرامج الرياضية مساءً لانتقاد اتحاد الكرة وأيضا تجد مديرا فنيا لأحد الفرق فى الدورى العام وفى نفس الوقت محللا فى أحد البرامج الرياضية لإحدى القنوات الخاصة وينتقد باقى اللاعبين فى باقى فرق الدورى. الأمور ليست بالنجومية والشهرة ولكن بالتخصص والاحتراف والدراسة. وندفع ثمن كل هذا الخلط فى الكوكتيل العجيب الذى نراه على الشاشة.

ماسبيرو الحاضر الغائب عندما تشاهد قناة ماسبيرو زمان تجد روعة فى التقديم التليفزيونى والاحتراف والهدوء والرقى فى الحوار وهذا منذ عشرات السنين ولكن ماسبيرو الذى يقف مشاهدا للقنوات الخاصة وتركها تلعب وحيدة وتقدم ما تشاء ولم يواكب ماسبيرو التطور الذى حدث فقد توقف بعد إطلاق النايل سات فى نهاية التسعينات. أين ماسبيرو أقدم مبنى للتليفزيون فى الوطن العربى ؟ لماذا لا نجد قناة عالية الوضوح بأسلوب شبابى محترف وبرامج راقية تجذب المشاهدة بصورة مبهرة وما معدل مشاهدة القناة الأولى والفضائية المصرية ؟ قناة النيل للأخبار لماذا لا تُصبح القناة رقم واحد فى متابعة المصريين للأخبار الموثوق بها وتكون فى المقدمة من حيث جودة الانتاج وإنتاج الافلام الوثائقية ومتابعة الاخبار العالمية ويكون لها صفحات على فيس بوك وتويتر لتقديم خدمة اخبارية جيدة متميزة وتقدم الأخبار التى يثق فيها الناس فتحميهم من الشائعات والاخبار الكاذبة التى تنتشر كالبرق على الانترنت.

الانتاج السينمائى يخضع لقانون الإرضاء وليس الإرتقاء بالأغلبية الشعبية فليس دور الفن هو إرضاء المستوى الشعبى بأى شكل لتحقيق أكبر إيرادات ولكن للأرتقاء بالذوق العام فعندما ينحدر الفن لمستوى الشارع من حيث الألفاظ القبيحة والإباحية أحيانا ومشاجرات الخارجين عن القانون الدامية ذات الأسلحة البيضاء فينال اعجاب الناس ظنا منهم ان السينما ما هى الا نقل للواقع الذى يعيشون فيه فيلجأ المنتجون إلى مزيدا من الانحدار حتى يكتسب المزيد من الجمهور وهكذا نسير فى انحدار المستوى فى نفس الوقت نجد افلاما غاية فى الروعة والابداع بعيدا عن هذا اللون التجارى وتحقق إيرادات كبيرة وهذا دليل على حاسة التذوق الفنى التى مازالت تعمل وتفرز الجيد من الردىء.

فى النهاية كل ما يحدث يؤثر بشكل كبير على السياحة العربية والأجنبية لمصر والاقتصاد بشكل عام وإن كان بطريقة غير مباشرة. البرامج والمسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية تبرز للعالم صورة مصر والمصرى بوجه عام. فلدينا مناظر سياحية غاية فى الروعة والجمال ونجد الأفلام والمسلسلات لا تختار إلا الحارة الضيقة القبيحة والعشوائيات لتصوير المشاهد فيها مع اعترافنا بهذه المشاكل ونسعى لحلها وفعلا تم تطوير عدد كبير من العشوائيات ولدينا مثقفين وفنانين ومبدعين فى كل المجالات يتكلمون دائما عن روعة مصر وقيمة مصر ولا تجدهم على الشاشة وتجد فقط البرامج التى تنتقد وتسخر من المصريين فى النظافة والالتزام وتبرز السلبيات فقط وتغض بصرها عن الايجابيات مما يؤدى إلى نشر الإحباط والسلبية بين المواطنين.