يا خَالتِى .. كانَت سَمَانَا مُشرِقَة .. فِى حَقلَتى .. تَجرِى الجَداوِلُ دَافِقَة
فى ضَيعتِى . كانَت طُيُورُ الحَسَاسِين تملَا السَّمَا حتَّى الغُروبِ مُحَلِّقَة
فى كُلِّ عامٍ .. عِندمَا يَأتِ الرَّبيعُ ... الحَقلُ يُزهِرُ ... والدَّوالِى مُورِقَة
والخَيرُ كُلُّ الخيرِ ...... كانَ بِدارِنَا ... والفَرحُ لازَمَ ...... بَيتَنَا فَتَعَتَّقا
يا خالتى ...... كان أبِى يَمشِى هُناكَ .... رَجُلاً مَهيبًا أَشيَبًا ... مَا أليَقَه
لمَّا يَجىء .... يَزورُنَا عندَ المَساءِ ........ تَلقَ الأمَانِى الحَانِيَاتِ تَسبِقَه
فَأحفَادُهُ التَفُّوا دَوائِرَ حَولَهُ ..... وبِهِ العُيُونُ ......... تَظَلُّ دَومًا مُحدِقَة
الآنَ جَدِّى سَوفَ يَحكِى قِصَّةً...... هيَّا اسمَعوا وتَفكَّرُوا ..... مَا ألبَقَه
من بَعدِهَا .. الكلُّ يَأخُذُ لِيرَةً .. وعَلَى الخَدِّ يَطبَعُ قُبلَةً ........ مَا أشفَقَه
يا خالتى .... أُمِّى التِى أُختٌ لكِ ..... وأنتِ بِها أَدرَى وأَعرَفَ مُسبَقَا
أُمِّى ... التِى هِى نَبعُ حُبٍّ فَائِضٌ ..... تَلقَ الحَنانَ بِعِطْفِها .... مُتَعَلِّقا
فَأبِى وأُمِّى ... كُلَّمَا جَاءُوا لنَا ..... مَلأوا الحَيَاةَ ..... بِيَاسَمِينَ وزَنبَقا
يا خالتى ... أَصحابُنَا مُنذُ الصِّبَا ... تَركُوا بِبَابِ البَيتِ .. خَطًا أَزرَقا
حَفِظُوا لنَا عَهدَ الأُخُوَّةِ عُمرَهُم ... وكَذَاكَ نَحنُ ... لقَد حَفِظنَا المَوثِقا
فَلَكَمْ سَهِرنَا بسَاحَاتِ اليَاسَمِينِ ..... ولَكَم رَقَصْنَا ..... دَوائِر مُتَحَلِّقَة
************
يا خالتى .. يا خالتى .. يا خالتى .. ماذا جَرَى لتُرابِنَا ......... فتَفرَّقَا
قَومٌ غِرَابٌ .. لَستُ أَدْرِى عَنهُمُو ... حَلُّوا بِدَارى واستَحَلُّوا الأَرْوِقَة
وأنَا طُرِدتُ ... وأَهلُ بَيتِى كُلّهُم ... ولقَد أقَامُوا حَولَ بَيتِى .... خَندَقا
حَمَلُوا سِلاحًا .. لَستُ أَدرِى مَا اسمُهَا .. وأقلُّ شَىء يَحمِلُوهُ .. البُندُقَا
وَلِغَايَةٍ .. لَمْ أَدْرِ يَومًا كُنهَهَا .. نَصبُوا علَى جِذْعِ الصَّنَوبَرِ .. مِشنَقَة
ولقَدْ رَأيتُ بِساَحَةِ اليَاسَمِينِ ...... شَيخًا لَهُمْ ... مُتَعَصِّبًا .... قَدْ أَحنَقَا
يَرغِى وَيُزبِدُ فِى حَديثٍ قَابِضٍ .. والنَّاسُ تَسمَعُ .. والرُّؤوسُ مُطرِقَة
والناسُ فِى كَربٍ .. وضِيقٍ بَائنٍ .. فذَا يُطَأطِئُ رَأسًا ...... وذَا يَتمَلَّقَه
يا خَالتِى أهْلِى الَّذينَ أُحِبُّهُمْ .... تَركُوا السَّفينَةَ ...... من قَبلَ أن تَغرِقَا
هَجرُوا الضِّيَاعَ وخَلَّفُوا تَاريخَهُم .. تَركُوا الحُقولَ تَشِبُّ فِيهَا المَحرَقَة
حتّى الطُّيورَ تَباعَدَت عَن أَرْضِنا .. فَمِن فَرطِ جَهلٍ حَرَمُوهَا الزّقْزَقَة
**********
مَن قَالَ .. أن دِيَارِى صَارَتْ لَهُم ...... مَنْ أَوْهَمَ الغِرَّ الحَقِيرَ الأَحْمَقا
بِأنَّ اللهَ أوكَلَ دِينَهُ ..... فِأَتَهُم ....... واختَارَهُم فَوقَ الوَرَى ... مُتَحَقِقَا
فلَهُم دِيارُ النَّاسِ .... صَارَت نُهبَةً ... ومَا بالدَّارِ حَقٌ ... لَهُ أن يَسْرِقَه
لا .. والَّذِى رفَعَ السمَاءَ بِلا عَمَدٍ .. لَن أَترُكَ الحَقلَ لَهُ .... كَى يُغرِقَه
وسَأدفَعُ الظُّلمَ .. المُوَاتِى حَقلَتِى .... وأَذودُ عَنهَا .. وَلَوْ تُرِكتُ مُمَزَّقَا
يا خالتى .. هَذى رِسَالةُ يَائِسٍ ..... مَا عادَ له أمَلٌ ......... ولو بَارِقَة
فإنْ أنا لَم أَبعثْ إليكِ رَسَائِلاً ... فاعلَمِى أنِّى قُتِلتُ ........ أَوْ فَإِلَى لِقَا