عائلة "الإصبع الواحد".. ثلاثة أشقاء يتحدون إعاقة الأطراف.. "كرم" لم يستكمل تعليمه بسوهاج ويعمل بـ"25 جنيهًا" يوميًا بإمبابة.. ويؤكد: مش عاوز أخواتى يتبهدلوا.. و"الأصغر" يحفظ القرآن ويحلم بالخطابة

نماذج التحدى والإرادة عديدة، وفى جميع ربوع مصر لابد وأن تجد عنوانا لتلك السمة.. ففى مركز طهطا بمحافظة سوهاج كانت عائلة المزارع البسيط "محروس" على موعد مع اختبار إلهى لقياس قدرة الصبر على الابتلاء بعدما رزقوا بخمسة أبناء ثلاثة منهم ولدوا بأيادى ذات "إصبع واحد فقط"، وهم كرم "22 عامًا"، و"مؤمن" طالب فى الشهادة الإعدادية، والصغيرة "رحمة" فى الصف السادس الابتدائى.

هذا الوضع استقبلته العائلة بصورة طبيعية، ورغم الظروف المادية الصعبة أصر الأبوان على إلحاق أبنائهم بالمراحل التعليمية المختلفة، وتعاملوا معهم بنفس الطريقة إلا أن الحياة فرقت بين الأسوياء منهم وذوى الإعاقة، والدليل التجربة القاسية لكرم "أكبر الأبناء من ذوى الإعاقة"، الذى اجتاز المراحل الابتدائية والإعدادية حتى وصل إلى الشهادة الثانوية التى باتت بمثابة الصخرى التى تحطمت عليها أحلامه.

تجربة صعبة

كرم محروس، الابن صاحب لـ22 عاما، الذى يعمل حاليًا فى أحد محلات بيع المفروشات المنزلية بمنطقة إمبابة مملوك لأحد بلدياته من محافظة سوهاج، ويتقاضى 25 جنيهًا كـ"يومية"، يروى لـ"اليوم السابع" حكايته مع الإعاقة وما مر به من تحديات، قائلًا: "الحمد لله على كل شىء، فرغم الظروف الصعبة لأسرتى بسوهاج كان يحلم والدى الفلاح البسيط بنجاحى فى المدرسة، وبالفعل استطعت تخطى الابتدائية والإعدادية لكن فى الثانوية توقف كل شىء فلم استطيع استكمل المسيرة بسبب إعاقتى والأوضاع المالية للأسرة، لذا رسبت أكثر من عام".

واسترجع الشاب صاحب الـ"22 عامًا" ذكرياته مع أيام الدراسة: "كنت أذهب للمدرسة سيرًا على الأقدام وأعود على نفس النحو لتوفير جنيهين فقط، فلم أرغب يومًا فى تحميل والدى أكثر من طاقته، وفى نفس الوقت كان زملائى ويمارسون حياتهم بشكل طبيعى من الخروج للتنزه، وشراء ملابس جديدة فى الأعياد".

وتابع كرم محروس: "بعد تبخر حلم التعليم لم يتبق أمامى سوى السير فى إجراءات الحصول على معاش حكومى، وتوجهت لكل الجهات الرسمية فى محافظة سوهاج وأسيوط أيضا، وبالفعل أجريت الكشف الطبى أكثر من خمس مرات لكن لا حياة لمن تنادى"، مضيفا: "عدم الاستجابة لىّ دفعنى للعمل فى القاهرة للصرف على نفسى، فلم أستطع تخيب أمال والدى أكثر من هذا".

الفصل الجديد فى حياة كرم لا يختلف كثيرًا عما مضى من عمره، فهو الآن يسكن فى شقة بمنطقة "بشتيل لعبة" وفرها له صاحب محل المفروشات، لكنها تبتعد عن عمله فى إمبابة بمسافة تحتاج لـ"30 دقيقة" يضطر خلالها استقلال "توك توك" بـ10 جنيهات!، أو ركوب 3 مواصلات مختلفة.

يحكى كبير عائلة محروس عما يفعله وسط صخب القاهرة، قائلًا: "لا شىء سوى توفير قوت يومى، فماذا يمكننى فعله بـ25 جنيها أتقاضاها فى اليوم الواحد؟، فأنا أذهب للعمل وأعود للمنزل سيرًا على الأقدام حتى أوفر مقابل المواصلات، والباقى أشترى به الفطار والعشاء".

ويختتم كرم حديثه: "الآن توقف حلم التعليم والمعاش، أنا نموذج حى لمستقبل أشقائى، لا أعرف ماذا أفعل؟.. لا أريد تكرار تجربتى مع مؤمن ورحمة، أتمنى لهم مستقبل أفضل هناك فى البلد لاستكمال تعليمهما، ويكفينا أننا لم نستغل إعاقتنا للجلوس فى المنزل".

التعليم سلاح مؤمن ورحمة

تجربة الابن الأكبر لم تُثن والده محروس عن استكمال طريقه مع شقيقيه، قائلًا بدوره لـ"اليوم السابع": "أعتبر أبنائى كرم ورحمة ومؤمن أمانة من ربنا يجب الحفاظ عليها، فالعائلة لم تشهد حالات كهذه من قبل لكن قيل أن السبب ربما يكون زواجى من ابنة عمتى".

وتابع محروس 46 عامًا حديثه: "كل ما أريده هو رؤيتهم فى وظائف تؤمن مستقبلهم، فلا يحتاجون يومًا لمساعدة إنسان خاصة أنى أعلم عزة نفسهم الشديدة، لذا أحرص على تعليمهم رغم عملى باليومية".

بالنسبة لمؤمن ورحمة يقول: "لديهما طموح وإصرار كبير على تحقيق أحلامهما، فالطالب فى الصف الثالث الإعدادى يحفظ سبعة أجزاء من القرآن الكريم ويركز فى دراسة اللغة العربية لأنه يحلم بأن يكون خطيبًا، ويؤكد دائمًا على أن وضعه الجسدى خير من عنده الله"، مضيفًا: "رحمة ستستكمل تعليمها، فهى تحلم بالحصول على وظيفة ومصدر دخل ثابت وشراء شقة خاصة بها، حتى لا تحتاج يومًا لقريب أو غريب".