صدر حديثًا للباحثة والكاتبة اللبنانية مروة كريدية "حوارات وآفاق.. سيرة فكرية بين محاور السياسة ومعابر الفن والأدب"، عن دار نور للنشر، فى زاربورغ بألمانيا.
وحسبما جاء فى كلمة الناشر، فالكتاب يروى السيرة الفكرية للكاتبة مروة كريدية التى تتحلى برؤية عالمٍ فى أعماقه حدس شاعرٍ عابرٍ للتخوم؛ وبحسٍ وجودى ترقى بالفكر والسياسة نحو فضاءات لامتناهية من الحرية الحقيقية، التى توقظ الوعى وتحرره من كلّ ما يقيده من عبودية الأفكار والأشخاص والمخاوف والاطارات الثقافية المغلقة، حيث رؤية الواقع بِعمقٍ لا يختزل الانسان ىوصفه البيولوجى بل تمنحه حضورا إيجابيا فى الوجود.
وتتنوع موضوعات هذه القطوف المختارة التى تتمحور حول محورين أساسيين، الأول منها يتناول الواقع السياسى، والثانى يكشف عن الخبرة الأدبية والفنية، فيما يتكامل الموضوعان بالتوجه نحو أفق متأمل يلتزم الصمت الحكيم الفاعل فى العالم، الحاضر فى الكون.
المحور الأول الذى جاء بعنوان: "على تخوم الثورة" وتستشرف فيه الكاتبة إرهاصات "الربيع العربي"، حيث ترى ان الثورة بمفهومها الايجابى هى فعل سياسى يسعى لتحقيق النواحى الإيجابية لسياقات التطورات المصاحبة لكافة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها، وأن "السياسة" والحالة تلك تعنى الحكمة وحسن الإدارة على نحو ينسجم مع القيم الإنسانية، وأنه لابد لأن نرقى بالسياسة عن عالمها الأدنى إلى حيث تخوم الإنسانية التى لا تغفل حق الإنسان فى حرية روحه وكونيته مؤكدة على أن فعالية التغيير تكمن فى سلمية أى تحرك، إذ أن الظلم لا يرفع بالظلم وأن اللاعنف مبدأ وجودى.
وقد تضمن المحور أيضًا العديد من القضايا الفلسفية والمضامين الفكرية المهمة نقرأ منها: "عطالة المنطق ورهانات الفكر، فتوحات المعرفة وصناعة الخراب" وتنتقد فيه الأسس "المنطقية" التى ينبنى عليها الفكر، وترى أن صناعة الخراب ليست وليدة حالة ثقافية راهنة؛ بل صنيعة حالة فكرية ساهمت فيها العقول المؤدلجة التى اتخذت من العقائد أداة لشرعنة القتل.
أما تحت عنوان "الحتميات الطائفية واللادولة " فتقدم لنا الكاتبة تحليلا للعقلية الإلغائية التى تحوّل التكوينات الثقافية فى الشرق الأوسط إلى مستودعات عنصرية، مؤكدة أن مواجهة تلك الحتميات الطائفية تكون بالسير نحو الديموقراطية وفصل السلطة السياسية عن سلطة رأس المال.
وتحت عنوان "تواطؤ الأضداد" ترى الدكتورة مروة كريدية أن غياب مفهوم المجتمع المدنى أدى الى إنتاج حكومات فاسدة تعيد إنتاج نفسها حتى عبر معارضيها حيث المعارضة تكون وجه آخر لترجمة القمع السابق نفسه.
وتناقش تحت "الحوار الحضارى وحرب التأويلات، القوميات والهوية الحضارية" تعقيدات هذا العصر وسط أزماته الثقافية والفكرية التى تفاقمت وحوّلت بعض المجتمعات إلى جُزر منعزلة تشى بانعكاسات مدمرة على بنى البشر، لتلقى الضوء على اسباب تأويلات النصوص المقدسة التى تنبنى عليها العقائد ومآلات ذلك على بنية الهوية وتشكل القوميات.
أما المحور الثانى من الكتاب فقد جاء بعنوان "المرأة والجمال"، ويضم بعدًا روحيًّا ينعكس فى الاعمال الفنية والانجازات الادبية، التى قدمتها الكاتبة طيلة عقد من الزمن، حيث تُعانق نهجًا عرفَانيًّا يعتمد الرؤيا والحَدس ويَمزِج الرومانسية بالحداثية، ويوائم السرد الواقعى بالرؤيويّة الصوفية، ويتناول مفهوم الإنسان الكونى والمرأة بوصفها الحاضنة للعطاءات، والمبدعة القادرة على الوهب اللامحدود.
وقد اشتمل هذا المحور على العديد من العناوين الفرعية منها "تحولات النص البصرى" الذى تعتبر فيه أن رمزية الحرف واتساع المعنى لا تستوعبه الريشة، إذ أن التصوير يقيد المعانى. وتحت عنوان "الفن التأملى والنقد" ترى أن النص الأدبى يتجاوز مؤلفه، وأنّ الفن التأملى أبعد من الإسقاط الأنوى، فيما الفن الانفعالى من شأنه أن يكون انعكاسا للواقع المعاش.
ووحول "الأدب والقضايا الانسانية " ترى أن الآداب سيف ذو حدين حيث بإمكانها أن تخدم القضايا الإنسانية، كما يمكن أن تحرض على الكراهية، وأن الإنسان الكونى هو الذى لا يفصل ذاته عمن يحسبهم العالم سيئين إذ أنه لا يمنح نفسه حق محاكمة الآخر.
أخيرا، تخلص الكاتبة إلى أنه على الرغم من تنوع الميادين المعرفية التى يطرقها الإنسان خلال مسيرته، فإن الحياة تغدو كلها مدرسة وجودية للذات الإنسانية، وكلها تتجه فى عمقها الحقيقى نحو أفق كونى حيث يحيا الفرد حياة تامة كاملة القيمة، لا كما يرغب بل كما هو، فيما ينسجم مع محيطه بمحبة باذخة.
يشار إلى أن مروة كريدية كاتبة لبنانية تقيم فى الولايات المتحدة، وهى اسم بارز فى المجالين الفكرى والثقافى، تفرغت لدراسة ظواهر العنف فى المجتمعات الإنسانية، والبنى الفكرية المؤسسة لها وعلاقة ذلك بالحقوق والمدنية وعلاقتها ببنية الأنظمة السياسية والأيديولوجيات، لتقدم رؤية تتمحور حول كونية الإنسان ووحدة الوجود مما ينعكس فى سلوك لاعنفى وانتماء كونى يحترم البيئة و الكائنات ويحافظ عليها .
درست العلوم الإنسانية وتخرّجت من الجامعة اللبنانية، وأكملت دراساتها العليا فى المجال نفسه لتنال الدكتوراه فى الفلسفة وعلم اجتماع، وقد قدمت للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الفكرية والكتب الأدبية والابحاث الميدانية، من أهمها "استراتيجيات الأمل فى عصر العنف" "فكر على ورق"، "لوامع من بقايا الذاكرة"، "عواصف النسيان" و"رهانات السلام اسئلة العنف وآفاق الكون" وغيرها.

غلاف كتاب حورارات وآفاق