محمود حمدون يكتب: "رحلة سفر"

الثلاثاء، 28 فبراير 2017 12:00 ص
محمود حمدون يكتب: "رحلة سفر" قطار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت عجلات القطار تهتز بشدة كلما مرّت على الفواصل المعدنية الموجودة بين القضبان الحديدية التى يسير عليها فتُحدث فيه اضطرابا ورتابة محببة لا يدركها إلاّ من أدمن ركوب القطار لمسافات طويلة، فتثير الذكريات وتنتشر بين الركاب المسامرات الجانبية لقطع الوقت وبدايات تعارف إنسانى مؤقت ينتهى بوصول كل راكب لمحطته المعلومة مسبقا.

 

ركبت القطار لزيارة العائلة بصعيد مصر، وهو حدث لا يتكرر إلاّ كل بضعة سنوات لمشقة السفر وطول الطريق ومشاغل الحياة، وعلى الكرسى المجاور، كانت تجلس سيدة بمنتصف العقد الرابع تلفّ حجابا على رأسها وتتخفى وراء نظارة شمسية كبيرة بصورة لفتت الأنظار، وإن رجّحت أنها تنأى بعينيها عن المتطفلين وتدل هيئتها على أناقة فى الملبس وذوق فى اختيار الألوان، مع ندرة فى استخدام مساحيق الزينة. نحيفة القوام، متوسطة الطول، جلست وقد تكورت على نفسها رغبة فى النوم أو تجنب الحديث مع أحد، واكتفت بالإشارة بيديها عندما جاء مفش القطار لمراجعة تذاكر السفر.

كعادتى فى السفر بالقطار، يوجد بحقيبتى بضعة كتب من موضوعات مختلفة، اغرق فيها قراءة وتأملا ولعلها فرصة لا تتكرر كثيرا أن أختلى بنفسى لبضعة ساعات متصلة قد تصل إلى العشرة أو تزيد.

 

قطع على حبل الصمت والقراءة صوت أنثوى رقيق يسألنى عن موعد الوصول إلى محطة بعينها، وبحسب خبرتى قلت لها أن التذكرة فى هذا القطار مدوّن عليها موعد المغادرة والوصول، ثم تذكرت أن تجاوز المواعيد أصبح سمة مميزة لمصلحة السكك الحديدية ولكل شىء حولنا. فضحكت ثم اعتذرت متعللا أن المدوّن على ظهر التذكرة عن موعد الوصول لا يمكن التيقن منه إلاّ بوصولنا فعلا فى هذا الموعد وعدا ذلك يظل الأمر رجما بالغيب ورهن بإرادة سائق القطار. استغرقنا الحديث ساعات طويلة، ما بين همس أقرب للصمت من جانبها، كأنما تخشى البوح والفضفضة.

 

أتى عامل البوفيه يدفع أمامه عربة صغيرة، تحدث صريرا مزعجا، وعليها أكواب بمشروبات من مختلف الأنواع، طلبت فنجال قهوة، واستأذنت هى بضع دقائق، حملت حقيبتها يدها الصغيرة معها، بينما عدت أنا فى قراءة كتاب بين يدى حتى تعود، وقد استغرقتنى القراءة أو النوم لا أدرى، حتى أتانى صوت يخبر الركاب بقرب دخول القطار للمحطة المرغوبة، فتهيأت للنزول وتذكرتها، لم تعود، وكان فنجال القهوة لا يزال موضوع بجوار الكرسى على طاولة خاصة ,يحمل بقايا دفء ولم تمسسه يد، ترددت قليلا قبل النزول وساءلت نفسى!، ترى أين ذهبت ؟ هل حدث لها مكروه ؟ علمت من حديثها أن محطتها التالية لمحطتى ولا يزال الوقت مبكرا.. حيرة عظيمة اعترتنى، وقد سألت جميع من بالعربة عنها، ومفتش القطار، أكد الجميع عدم مغادرة أحد للقطار ولا يمكن إلاّ فى المحطة الرئيسية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة