ضحى أحمد فراج تكتب : كنت أخشى عليه!

الإثنين، 20 فبراير 2017 08:00 ص
ضحى أحمد فراج تكتب : كنت أخشى عليه! زحمة - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى تلك اللحظة كانت الشمسُ قد نالت من الأرضِ غايتَها، وعجّت الطرقاتُ بأوْب أسراب .. منهم للعلم طالب، ومنهم للحكومة خادم ، وقد رشّتهم شمسُ يومِهم بالعرقِ رشّاً، يُسرعون الخُطا إلى حيث جنتِهم اليومية ، إلى حيث أسرةٍ أو صديق أو لا شىء ، بعد أن تَجَهنّم يومُهم فى الطلبِ أو فى الخدمةِ .

 

وقد كنتُ أصنعُ صَنيعَهم ، وبيْنما أنا على ذلك ، إذْ تصَلّبت ساقَاى، وتصلّب الجَفنُ جاحِظاً عيْناى، واهْتَزّ القلبُ هِزة إشفاق و كأنه لمَا شَعر بذلك من قبل و لمَا عرف للشفقةِ معنىً إلا حينها، ذلك حين أبصرتُه .

 

ما صدّقتُ عينَى، أخبرتنى بصدقِهما تلك الصديقةُ التى رأتْ ما رأيتُ و لو لم تكن صديقة ..لما صدّقتُها !!

 

براءةٌ كَبراءة الأطفال، ذاتَ وجهٍ من تجاعيدَ كثيرة ، لو كانت طرقُنا مثلَه لمَا اهتدينا البَتّة ! ....تجاعيدٌ تدل على مرِّ الزمان و جُور الأيام و رأسُه قد اشتعل شيبا، على وجهه وِسامة ... وعن مدخلِ طعامه ،مثُله كمثلِ تجعيدةٍ من هؤلاءِ الكثر .

 

اخْتطَفته عيناى خطفاً .. عجوزٌ يبدو أنه قد جاوز الثمانين أو التسعين ! لم يكن يُسرع الخطا كغيره، ليس لأنه طاعنٌ فى العمر ، فقد كان مستندا إلى صندوقِ القمامةِ الجّرار، والذى اتخذ من إفراغه بابا للارتزاق !!

 

ذلك الذى لأجهده النهوضُ و أن كان _قط _ لقضاء الحاجة .

رأيته بكَفِّه التى تَرْتَعش ذهاباً وإياباً إلى حيث داخلِ الصندوقِ الذى تَربّع على الأرض بطوله وعرضه وارتفع عن الأرض كثيراً ، كانت حركتُه بطيئة كلّ البطء، وكنت أخشى عليه تلك اللّفافةَ الخفيفةَ الثقيلة من أن تُوقعَهُ أرضاً، والتى الْتقط عشراتِ مثلَها ليَحْشو بها عرَبة القمامة والتى تقف بجانب الصندوقِ القوىِ الضخم، عَربتُه تلك التى امتلأت بقمامات أخرى ،من طرقات أخرى ...ولأُناس أخرين !

ألَمْ يكن يعلم من ألقاها أن سينحنى لها ذلك المُعمَّر الهزيل تحت شمس قد اشْتَطّ نارها !

ألم يكن يعلم من أفرغها فى سلام أن ستقبضَها آهاتٌ مُلْتاعة لعجوزٍ .. ما رأيتُ تحت السماءِ أشقى منه حالاً !

أَهى عمياءٌ تلك البشرية إلى هذا الحد ؟! .... أهى عمياءُ القلب والبصر معا !! أهى عمياء القلب أم على قلوب أقفالها و أن من القِفلِ لما يُكسر فيفتح ما يُفتح ! وإن منه لما يصدأ فيُزيد القلبَ عميانا وقسوة ...أم تحجّرت تلك القلوب، وإن من الحجارة لما ينشقُ وإن منها لما يتفجّرُ منه الأنهار ! ....يااللهول !!

ولم أُحوِّل عينى عنه، وقبل أن أُوجه خطاى نحوه جذبتنى الصديقةُ بندائها إياى، لم انتبه كثيرا ،وعُدتُ سريعا ببصرى إلى حيث كان العجوز، فوجدت حيثُ ولم أجد العجوز .... كان العجوز قد انسرق !!

إلى أين ارتحل ؟ ولمِ انسرق ؟ و علامَ تَعجَّل ؟ وحتَّامَ سيعمل ؟! ...لستُ أدرى ،لكنى تمنّيتُ لو احْتَضَنتُ أمرَه و لو ساعة !!







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة