الدكتور نور الدين توتو يكتب : نِعْمَة «العقل» وحكمة المتنبى

الجمعة، 17 فبراير 2017 12:10 ص
الدكتور نور الدين توتو يكتب : نِعْمَة «العقل» وحكمة المتنبى شخص يفكر - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِى النَّعيم بِعَقْلِهِ وأَخُو الجَهَالَةِ فِى الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ

رأى تبنَّاه أبوالطيِّب المتنبي، مؤكداً أن «العقل» تلك الهِبَة الإلهية والنعمة الربَّانيَّة قد تكون وبالاً على صاحبها، فتُتعبه وتُشقِيه ولا يشعر بطعم الحياة ولا بلذَتِها كونه يُفكِّر فى كل شيء ويُحلِّله، ويُهمه النظر فى عواقب الأمور ودراسة الأوضاع قبل الإقدام على أى شيء، وهو ما يجعله يخسر الكثير من المُتَع العاجلة المباحة.

ويؤيده فيما ذهب إليه الشاعر العباسى ابن المعتز المعروف بـ «خليفة اليوم والليلة» حيث قال :

وَحَلَاوَةُ الدُنْيَا لِجَاهِلِهَا وَمَرَارَةُ الدُنْيَا لِمَنْ عَقَلا

وليس ابن المعتز وحده من يقف فى صفِّ المتنبى موافقاً وشاداً على يديه، فكل ما نتناقله اليوم عبر «واتساب» وشبكات التواصل الاجتماعى المتعددة من رسائل ووسائط تحمل نُكَتَاً وطرائف عن فئة «المحششين»، والتى كانت حتى وقتٍ قريب فئة مُسْتهجنَّة فأصبحت «بأيدينا لا بيد عمرو» فئة لطيفة الرُّوح، خفيفة الظل، وهو ما يُرسِّخ للقاعدةٍ التى تبنَّاها المتنبى وابن المعتز فى زمانهما -لسببٍ ما- أظنُّه طارئاً، ولم يقصدوا حقيقة ما يتبادر إلى أذهاننا اليوم.

اليوم.. صرنا نُعزِّز لدى أبنائنا جيل المستقبل الواعد، ومن نحلم لهم بغدٍ أفضل ونعمل من أجل تحقيقه، بأنَّه لا بد أن يتخلص من «عقله» ليعيش بشكلٍ أفضل، ويضحك من أعماقه، ويشعر بالدنيا، ويستمتع بالحياة.

نقول لهم بشكل غير مباشر: تخلَّصوا من عقولكم لتنسوا العالم القريب، وتنتقلوا إلى عالم آخر نعجز عن وصفه لكم لتُصبحوا سُعداء.

والأدهى والأمر أننا نُوصل إليهم رسالة مَفَادُها «تنازلوا عن عقولكم» وسيُحبكم الجميع ويأنس لمُجالستكم ويستظرف ردودكم «الذكية» المُفحِمة التى تُصيب فى مَقْتَل، أو «فى الجَبْهَة» كما هو مُتعارف عليه بين الشباب فى الشبكات التفاعلية.

مَسْلَكٌ خَطِر يسلُكُهُ عاقلنا وجاهلنا وننسى أو نتناسى أنه سيُوصلنا وأبناؤنا إلى نتيجة واحدة لا محالة لخَّصها المتنبى وابن المعتز فى بيتٍ من الشعر «وإنَّ من الشِّعر لحِكمة».

نحتاج اليوم إلى انتفاضة شديدة كانتفاضة أطفال الحجارة قبل أكثر من 25 عاماً، التى ظلَّت حديث الإعلام والمجتمع لسنوات طِوال، لا لقوتها فَحَسب بل لقوة أثَرِها على العدو الاسرائيلى ذلك الوقت.

نحتاج انتفاضة يُشارك فيها الصغار قبل الكبار حمداً وشُكراً لله تعالى على نِعْمَة «العقل» التى يستدلُّ بها المرء على ما ينفعه فى دينه ودنياه وآخرته، ومَنْ حُرِمها فقد حُرِم خيراً كثيراً، ورفع عنه القَلَم فيُلقَّب بشيء آخر ولعله يُرحَّل إلى «شهَار» وهو مَصيف جميل لقضاء بقية عمره.

العقل الذى وَضعَهُ الله جلَّ جلاله فى القلب فاستجاب له الدماغ، وانصاعت لأوامره بقيَّة الأعضاء طواعيةً وبلا أدنى مُقاومة، فكان القلب موطن القرار ومآل التفكير، وهو ما اكتشفه فريق طبى أمريكى مؤخراً، حيث أثبتت الدراسات وجود مجموعة من الخلايا العصبية فى جدار القلب، وهى المسئولة عن اتخاذ القرار لدى الإنسان.

والخالق سبحانه وتعالى قد قال مُثبتاً ذلك فى محكم التنزيل((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ)) الحج-46.

عوداً على بدء أقول: الحذر .. الحذر من تداول طرائف مَنْ أذهبوا عقولهم بأيديهم وجَنَوا على أنفسهم ومجتمعهم، حتى لا يكونوا لنا أداةً للضحك والتندُّر، ولأبنائنا قُدوة فى سِعَة الصدر وراحة البال، وقد كنَّا فى طفولتنا نُشير بأصابعنا مابين الشفاه والجبهة ونردد «الحمد لله والشكر» إذا رأينا فعلاً منافياً للعقل ونقصد بذلك شكر الله تعالى أن منحنا نعمة العقل.

والشاعر المُلهم يقول :

المَرْءُ بالعَقْلِ مِثْل القَوْسِ بِالوَتَرِ إذَا فَاتَهَا وَتَرٌ عُدَّتْ مِنَ الخَشَبِ

ولأننى أحببت قصيدة المتنبى «لهَوَى النُّفُوسِ سَريرَةٌ لا تُعْلَمُ» التى استفتحت بها مقالي، فأنا أوصيكم بها لتتذوقوا جمالياتها كما تذوقتها، ففيها من الحكم الكثير ولعلى أعود لتناولها يوما ما.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة