بعد أن حملت إدارة أوباما عصاها ورحلت عن البيت الأبيض، كان لابد للإدارة الجديدة، التى تبوأت مقعهدها من هذا البيت، أن تحدد موقفها من رأس الحربة ـ الإخوان ـ التى خلفتها وراء ظهرها . وقد كانت ارهاصات هذا الموقف قد تبدت على نحو مبكر، أثناء الحملة الإنتخابية، وتمثلت فى الهجوم الضارى الذى شنه دونالد ترامب على أوباما وإدارته، بسبب سعى هذه الإدارة للتواصل مع هذه الجماعة، وخطب ودها .
وقد كان ذلك الود والتقارب، معروفاً لنا، والهدف منه واضحاً أمام أعيننا، وهو أن الجماعة كانت بمثابة رأس الحربة فى المشروع الأمريكى للشرق الأوسط الجديد، والأداة الفاعلة لصناعة الفوضى الخلاقة فيه . وذلك بخلاف الهجوم المباشر الذى كان يشنه ترامب، على الجماعة من خلال تغريداته على مواقع التواصل . بل إنه قد ذهب إلى حد وصف ما تسرب بشأن تصرف إدارة أوباما، بشأن عزمها على إمداد مصر / مرسى بعشرين مقاتلة طراز F16، بأنه كارثة حقيقية .
وبالقطع فإن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة المعلن من جماعة الإخوان، ليس مرده أسباباً متعلقة بجوانب خارجية، أو مجاملة لأحلاف قائمة أو محتملة، أو من أجل سواد عيون العرب والمسلمين، وإنما مرده أسباب داخلية متعلقة بمصالح الأمريكيين من وجهة نظر إدارتهم القائمة .
والواقع أنه ليس هناك إجماعاً أمريكياً، حول إصدار قرار تنفيذى، باعتبار جماعة الإخوان المسلمين، منظمة إرهابية أجنبية . وقد انقسم الأمريكان حيال هذه القضية إلى فريقين :
الأول ـ وهو الفريق المؤيد لاعتبار الجماعة منظمة إرهابية . ويذهب هذا الفريق إلى القول بأن فلسفة الجماعة تقوم على أسس إرهابية، وأهدافها مماثلة لأهداف تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، وداعش، وبوكوحرام، وجبهة النصرة . وهى تسعى للهيمنة الإسلامية، أو التمكين، بجعل الإسلام البديل الحضارى للحضارة الغربية، والسعى نحو إقامة دولة الإسلام العالمية . وقد بدأت الجماعة بالفعل بالتسلل إلى داخل المجتمع الأمريكى، وغزو مؤسساته، بما فى ذلك مؤسسة الرئاسة . وتلك مخاوف أمريكية مشروعة، فى ظل صعود إدارة أمريكية بروتستانتية، تميل إلى العنصرية . ويتوافق اتجاه هذا الفريق، مع ما تصبو إليه، الدول التى أصابها الخريف العربى فى مقتل، وتلك التى لا زالت تقاوم آثاره وتداعياته . وقد عانت من انحياز الإدارة السابقة، ومن تبعها من الأنظمة الغربية، إلى جانب الجماعة الإرهابية، فى مواجهة الأنظمة العربية .
وهذه الأنظمة تمارس ضغطاً فى اتجاه استصدار قرار إرهابية الجماعة .
الثانى ـ وهو الفريق الذى يرى أن اعتبار الجماعة إرهابية لا سند له من القانون، وأنه القرار الخطأ، وأن الرغبة فى إدراجها، فى هذه القائمة، من جانب ترامب وفريقه، هى مجرد حيلة تستهدف الحقوق المدنية لمسلمى أمريكا . والقرار هنا سيكون مجرد مسوغ قانونى للإدارة الأمريكية، للتضييق على الجمعيات الخيرية الإسلامية، والمساجد، والجماعات الأخرى . لأن مجرد اعتبار الجماعة إرهابية، سيعنى تجميد أصول، ومنع تأشيرات دخول، وحظر التعاملات المالية . مع الأخذ فى الإعتبار أن كل مسلمى أمريكا ليسوا إخوان، ومع ذلك قد يشملهم مثل هذا القرار على نحو أو آخر . وهذا الفريق يرى أن إصدار مثل هذا القرار سيؤثر سلباً على حلفاء أمريكا فى محاربة الإرهاب .
ولابد من الإقرار بأن هناك مسلمين أمريكيين يؤيدون صدور مثل هذا القرار، باعتبار أن الجماعة فعلاً جماعة إرهابية، منشأً، ووجوداً، وفلسفة، ووسائلاً، وأهدافاً . وأن وجودها يضر بالإسلام والمسلمين .
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع مفاده : ما هى الأهمية التى ينطوى عليها مثل هذا القرار ؟ . وإجابة هذا السؤال تكمن فيما سيرتبه من نتائج، وهى من قبيل : تجريم تمويل الأمريكيين للجماعة، والحظر على البنوك الأمريكية من التعامل مع أعضائها، وحظر قدوم من ينتمون إليها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين الذين ينتمون إليها، أو يعملون معها .
وعما ما يمثله هذا القرار بالنسبة لمصر، يمكن الذهاب إلى القول، بأنه سيكون عاملاً حاسماً فى معركتها ضد الإرهاب . فالجماعة بهذا القرار تكون قد فقدت أهم حليف استراتيجى لها، وإحداث حالة من التراجعات من جانب حلفاء آخرين، خوفاً من العقاب، أو شراءًا للود . وكل ذلك يصب فى اتجاه تقويض أركان الجماعة، وضربها من القواعد، واستئصال شأفتها، وتعافى المجتمع من أدرانها، لذا ـ فإننا ننتظر صدور القرار .