د.داليا مجدى عبد الغنى تكتب: هكذا يكون الحُب

السبت، 09 ديسمبر 2017 02:00 م
د.داليا مجدى عبد الغنى تكتب: هكذا يكون الحُب د.داليا مجدى عبد الغنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"سأُعيد القيام برحلاتنا كلها، سأتوقف حيث توقفنا، فى غمرة أيام الأجازات، أعتزل الناس، ولا ألفظ إلا ما هو ضرورى من الكلمات، لكم أتمنى أن أكون مُجرد عابرة، بالمعنى المُطلق لهذه الكلمة! ولو أننى استطعت ذلك، لجعلت من نفسى خيالاً لا يُرى، وفى الصمت أتجه نحوك بكل قواي، كل ما بقى منى يأتى إليك، وإنما لكى آتى إليك، أكتب وأتابع كتابة ما يطوف بقلبي"، هذه الكلمات ليست لأديبة ولا شاعرة، وإنما هى لامرأة أَحَبَّتْ رجلا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهى لـ"سوزان طه حسين"، وقد كتبت هذه السطور فى كتابها "معك"، وهو أول وآخر إصدار لها، وقد كتبته، لكى تخلد تاريخها مع الرجل الوحيد الذى أَحَبَّتْه وتزوجته، ولكى تطرح على القارئ وجهًا آخر، لا يعرفه عن شخصية عميد الأدب العربى "طه حسين"، فعندما قرأتُ هذا الكتاب، وخاصة هذه السطور القليلة، أول ما انتابنى من شعور، هو هل يمكن أن يصل الحُب بإنسان لدرجة أن يتحول لأديب، دون أن يدري؛ لأنه كان يعيش بالفعل مع أديب، ولكن الإجابة لا يمكن أن تكون "نعم"، بشكلها المطلق؛ لأن كل زوجات الأدباء لم يُصبحن أديبات، ولكن هذه العلاقة كانت لها طابعًا خاصًا جدًا، فعلاقة "طه حسين" بزوجته "سوزان" أبت أن تستسلم لأى مُنغصات أو عقبات، فلم يكن اختلاف الديانة أو الجنسية أو الثقافة أو حتى السلامة الجسدية، يمكن أن تقف حائلاً دون استمرار حبهما، فهى المرأة الفرنسية الجميلة المسيحية، أَحَبَّتْ هذا الرجل الكفيف المسلم المصرى الريفى، لدرجة أنها أصبحت النور الذى يتلمس به الأشياء، ورنين صوتها هو الذى كان يُشعره بجمال الكلمات، وعندما فارق الحياة، كأن روحها فارقت جسدها، لتذهب معه، فلو ركزت يا عزيزى القارئ فى سطورها، لأدركت أنها تعيش معه بخيالها، وتستعيد ذكرياتها معه بشكل مادي، فهى بالفعل تذهب إلى ذات الأماكن، وتُعيد ذات الرحلات، وأظن أنها كانت تُعيد على مسامعها ذات الحوارات، والذى يُدهشنى هو، لماذا لم يعد لهذه القيمة من الحُب وجود على أرض الواقع، ومن يُريد أن يُكرر التجربة، ويتغاضى عن كل الفوارق، ويُحب أن يتخطى كل العقبات، إما أن يُتهم بالجنون أو بالخيال، وكأننا نأبى على أنفسنا أن نجد من يُحبنا بمنتهى الصدق فى حياتنا، وبعد رحيلنا، أو نأبى أن نُحب لدرجة التقديس، آه لو نعرف أن الحياة بكل ما فيها من نِعم وأشياء ونجاحات، لا تُساوى لحظة حُب صادقة، أو قصة حُب حقيقية، تكون هى السند والمأوى والأمل، حتى بعد الموت.

ونسيت أن أذكر أن هذه المرأة دونت اسمها على الكتاب "سوزان طه حسين"، فهى نسبت نفسها بالكامل لزوجها، وحبيبها، فلم تُدون اسم عائلتها؛ لأنه أصبح هو كل عائلتها، هكذا يكون الحُب.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة