محمد أبو هرجة يكتب: انتقـــــام مجهــــول

الجمعة، 08 ديسمبر 2017 08:08 ص
محمد أبو هرجة يكتب: انتقـــــام مجهــــول قطر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى وقت الغروب وقد تجمع الآلاف من المسافرين لركوب قطار الخامسة مساء المتجه الى الاسكندرية والذى تأخر عن موعده ساعة كاملة مما أحدث فوضى بسبب تراكم الركاب بشكل كبير جدا وأخيرا وصل القطار اللعين وسط صيحات الاستهجان حتى فى ركوب القطار وتسرُّع الركاب وتزاحمهم ووقوع البعض منهم على الارض حيث الحقائب الكبيرة المتهالكة والكراتين المربوطة بالأحبال ويحملها بعض المراهقين فيدفعونها وسط الزحام لتزيد الوضع المتأزم سوءًا ودخل الجميع القطار الذى لديه القدرة على استيعاب أضعاف الموجودين أيضا حيث تسمع ضوضاء صاخبة قبل تبديل الجرار للاتجاه فيقوم الجرار بالانحلال من مقدمة القطار ويرتبط بنهايته لعكس اتجاه قدومه ووسط هذه الضوضاء جلستُ فى مقعد خال استأذنت من يجلس حتى لا يكون محجوزا لأحد ولمحت من بعيد الأستاذ جودَّت مدير المشروع بالشركة وتعجبت من وجوده فى عربة الدرجة الثالثة العادية فدائما يكون فى العربات المكيفة الفخمة فتركت حقيبتى حتى لا أفقد الكرسى الذى أجلس عليه وذهبت وسلمت عليه فسلم بغطرسة وتكبُّر كما هى عادته دائما فابتسمت ابتسامة باهتة للخروج من الموقف ورجعت مكانى ألعن الصدفة التى جعلتنى أراه وأيضا ألوم نفسى كثيرا على قيامى من أجله فهذه الشخصية لا تستحق إلقاء السلام بل إلقاء اللعنات عليه والشتائم ليلا ونهارا . رجعت الى مقعدى وجلست لأسمع تناقضات وضوضاء عجيبة حيث تسمع القرآن الكريم بصوت عال جدا يأتى من بداية العربة وفى الجهة المقابلة شباب الجامعات يصرخون مع المهرجانات التى أشبه لصوت جلسات الزار التى كان أجدادنا ينصبونها لطرد الشياطين كما يزعمون وحكايات وأدخنة سجائر متطايرة خانقة وسط الشبابيك المغلقة التى لا تُفتح الا بالكسر . أنماط عجيبة فلكلورية تجتمع كلها تصف المجتمع بكل صوره وإيجابياته وسلبياته المقيتة التى يبدو ان الجميع تعود عليها داخل هذه العربة اللعينة .
 
ووسط كل هذه المأساة يدخل شاب يبدو أنه ممن فقدوا عقلهم يبدو أنه فى وسط العشرينيات من العمر ويمشى مسافة مترين ويقوم بالتصفيق الحاد جداً كأن الصوت يخرج من الميكروفون وسط استياء الجميع ولسان حالهم يقولون يا أخى ارحمنا من العذاب فالوضع صعب وموش ناقصاك وبسبب ملابسة المتسخة وشعره الطويل جعل الناس يصمتون تماما فلا يريدون إزعاجه فيبدو أنه مريضا أو واحد من المجذوبين فيسكتون لأنه سيذهب بعيدا بعد لحظات وسار هكذا حتى وصل الى المقعد الذى يجلس به جودَّت وعندما وصل الشاب الذى يصفق بصوت عالى إليه حتى توقف عن التصفيق ونظر إليه نظرات غاضبة فى لحظات صمت رهيبة والناس حول جودَّت ينظرون للشاب خوفا فيبدو ان هناك شيئا ما بينه وبين جودَّت وفجأة رفع الشاب يديه بنفس حركة التصفيق ثم فجأة أنزلها على وجه جودَّت بكفه فأحدث صوتا عاليا وهمَّ جودَّت بضربه وحدثت فوضى بسبب الخناقة التى اشتعلت باللكمات المتبادلة وكل من بالمكان يحاولون التفريق بينهم ويحاولون إبعاد الشاب من جودَّت وصحيح أننى شعرت بفرحة غامرة من ضرب جودَّت بواسطة هذا الشاب وكلما سمعت اللكمات شعرت بارتياح نفسى رهيب ونشوة انتصار فيبدو أن هذا الشاب المجهول قد جاء خِصيصا لينتقم لى من مقابلة جودت الباردة المخجلة المؤسفة التى كادت أن تسبب لى جلطة فى المخ بسبب الضغط الذى أعانى منه وهنا تدخَّلت وكان لابد أن أتدخل حتى لا يشعر جودَّت أنى متواطئ مع هذا الشاب ويلوم علىَّ عدم تدخلى وإنقاذه فالموضوع سيتطور والجميع فى حالة هياج ويحاولون قذف الشاب الذى يتشاجر مع جودَّت خارج القطار للتخلص منه فأمسكت الشاب بقوة وأنزلته من القطار والغريب لم يقاوم رغم بنيانه البدنى الطويل والعريض مقارنة بجسمى الأقل والأرفع فيبدو أنه اكتفى بهذه الكمية من اللكمات القوية وقد تطلخ وجه جودت بالدماء .
 
أخرج الجميع رؤوسهم من الشبابيك لمتابعتى ومعى الشاب ونحن خارج العربة وكأننا فى مباراة ملاكمة فصرخت فيهم ادخلوا جميعا القطار خلاص انتهت فسكت الجميع وانفض الجمع.
 
وأول ما تكلم قال لى أعطنى سيجارة فهؤلاء البشر مزعجين والجلوس معهم لا يُطاق. 
 
أخرجت علبة السجائر وأخرجت سيجارة وعندما هممت بوضع يدى فى جيبى سبقنى ورفع يده قال معى الولاعة وأشعلها بعنف وأخذ نفسا عميقا كتمه لوقت طويل وكأنه لم يدخن منذ سنوات مخرجا دخانا كثيفا أخفى وجهه للحظات وأعطيته العلبة هدية مكافأة لتصرفه هذا الذى قام بتبريد النار التى كانت مشتعلة فى صدرى فابتسم شاكرا لهديتى الثمينة للغاية ووجدت الوقت مناسبا بعد هدوءه لأسأله سؤالا هاما 
أنا: طالما أنت إنسان طبيعى وعاقل زى ما أنت أمامى الآن لماذا كل هذا التصفيق الحاد ومن الذى قمت بالاعتداء عليه وسألته متظاهرا عدم معرفتى بجودَّت وفضَّلت سماع قصته وسبب تصرفه هذا 
الشاب : دى حكاية طويلة ولا يوجد وقت كاف سيفوتك القطار يا أستاذ
أنا : تكلم مازال الجرار يقوم بالتبديل أنا نفسى اعرف إيه الحكاية بالضبط أنت وراك لغز كبير 
الشاب : كنت مهندس محترم بشتغل مع جودَّت فى شركة مقاولات كبيرة وكان هو مدير المشروع بس مشكلتى إن عندى عيب خطير موش بحب النفاق وده بيسبب لى مشاكل كتير جدا
أنا : وبعدين
الشاب : فى إجتماع كبير كان يحضر مدير المشروع وهو اللى كنت بضربه ده صحيح لابس نظارة سوداء وشكله تغيَّر لكن عرفته لا يمكن أن أنساه نفس التكبر والغطرسة والتعالى وكأنه بشر وكلنا بجواره حيوانات وكلما تحدث يصفق الجميع وكنت أجلس فى مقدمة الحضور ولم يعجبنى ما يقوله فكنت الوحيد الذى لم يصفق مثل الآخرين فكل ما يقوله خاطئ تماما.
 
أنا: قام باضطهادك وتلفيق تهمة ليك ودخلت السجن .
 
الشاب: لا قام بتلفيق تهمة التحرش بمديرة مكتبه وأنا لم ألمسها ولكنه أحضر الشهود من أجل أن يشهدوا ضدى وطبعا الكل بيجامله وطلباته أوامر خوفا منه وقام بمساومتى بتنازل مديرة مكتبه مقابل تقديم الاستقالة هنا قررت الاستقالة خوفا من تهمة التحرش وكما توقعت ساءت سمعتى ولم يُرحب بى أحد فى كل الاماكن الاخرى التى ذهبت لتقديم أوراقى وخبراتى للعمل معهم فقررت الانتقام من المجتمع فأصبحت أصفق ليل نهار فى وجوه الناس فكلهم منافقون منافقون منافقون يحبون هذا التصفيق الحاد وأعاقبهم بهذه الطريقة .
 
أنا : أنت صحيح مظلوم بس بتقدر تاخد حقك بهذا التصرف المزعج ولكن الصدفة وحدها أرسلتك لى هذا اليوم من أجل الانتقام فلو لم أجدك وتفعل ما فعلته كان من الممكن أن يحدث لى انفجار فى المخ 
 
الشاب رافعا حاجبيه ومغلقا فمه بطريقة غريبة موش فاهم حاجة انفجار فى المخ ايه سيادتك 
أنا: من الأفضل أن لا تفهم شيئا وآخر طلب لى بما أنى كنت شهم معاك فلتبتعد عن هذا القطار والقطارات أمامك كثيرة اختر ما تشاء منها وتركته فى صمت وهو أيضا نظر لى نظرات صامته وتتبعنى حتى ركبت القطار وما إن صعدت حتى أعلن مذيع المحطة الداخلية عن قيام القطار وأنطلق القطار ببطء وعندما جاءت عينى فى عينه والقطار يغادر المحطة وانا أجلس بجوار الشباك وعندما رأيته وجدته قد رفع يده مودعا فى سعادة غامرة وما زال ممسكا بعلبة السجائر كأنه قام بالقبض على أحد كبار اللصوص .
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة