وائل السمرى

الوداع يا ملك الشوارع

الإثنين، 04 ديسمبر 2017 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى المرة الأولى التى قابلت فيها «مكاوى سعيد» أخذنى بالحضن، هكذا فى أول لحظة فى أول لقاء، لم أندهش من تصرفه لأنى لم أشعر وقتها بأى إزعاج، هو ابن بلد وأنا كذلك، وولاد البلد لا يشعرون بالغربة على الإطلاق.. أثناء اللقاء اكتشفت أنه يظن أنه يعرفنى منذ سنوات، وأنى انقطعت عنه لظروف سفرى، وأنا الذى لم أغب بعيدا عن مصر طوال عمرى لأكثر من أسبوع.
 
هو أنا وائل السمرى بالنسبة له، لكنه ربما لم يقبل فكرة أنه يسمع اسمى منذ وقت طويل ولا يعرفنى للحظة أردت أن أصحح له معلوماته وأقول له إننا نتعرف للمرة الأولى، لكنى تراجعت، هو صانع أساطير وسط البلد، وقد اكتشفت الآن للتو كيف يصنع «ميكى» أساطيره.
 
يوما بعد يوم تنامت معرفتى به، فصار صاحب تغريدة البجعة، وأن تحبك جيهان بالنسبة لى جزءا عزيزا من القاهرة، جزءا غاليا وودودا، مثله مثل شوارع وسط البلد وأزقتها، مثل تمثال طلعت حرب فى شموخه، وتمثال مصطفى كامل فى ترفعه، مثل المقاهى التى تشغل الجميع عن الجميع، مثل دهاليز العمائر القديمة التى لا يعرفها إلا الراسخون فى شارع شامبليون وصبرى أبو علم، مثل البنك المركزى وعمارة الأوقاف، مثل التكعيبة وأفتر إيت والندوة والحرية والبستان، مثل سوق باب اللوق الذى لا ندخله إلا على سبيل الخطأ، مثل نسائم الهواء العليل، التى تدهشك كلما مررت بجوار ضريح سعد زغلول، مثل محمد محمود والشيخ ريحان، مثل محمد هاشم ودار ميرت للنشر وسينما قصر النيل، مثل عم غزال وعم أحمد ربيع، مثل كشرى أبوطارق ومكرونة بابا عبده، مثل استوريل واستلا والكاب دور، مثل سوق التوفيقية وآخر ساعة وجيلاتى العبد، مثل تمثال إبراهيم باشا ومسرح الطليعة وشارع محمد على مثل حسن الأكبر وقصر عابدين وبن عبدالمعبود، مثل أكشاك الصحف وعربات الكبدة ومحلات الإلكترونيات، كان مكاوى كل هؤلاء فى شخص، تنبع قيمته من أسطورته الذاتية، التى التصقت بوسط البلد فصارت أحد أهم معالمها، كان بالنسبة لنا عنصر الأمان الدائم فى كل شبر من وسط البلد، دائمًا موجود، دائما مبتسم، ودائما يرحب بك بلا تصنع.
 
يا صديقى القديم جدا، القديم جدا.. أعرف الآن بعد رحيلك المؤلم أنك تعرفت إلى الناس كلهم مرة واحدة، وكأنك اطلعت عليهم فى عالم الغيب، أعرف الآن أن لكل روح عندك بصمة مميزة، وكأنك تتبع مسارات الروح منذ نشأتها حتى حلولها فى الأجساد المسماة باسمنا.. أعرف الآن أننا ربما تقابلنا قبل أن نتقابل، وتصادقنا قبل أن نتعرف، وأنك تصنع أساطيرك معتمدا على معرفتك بالروح، فسلام لروحك التى ستفتقدها الشوارع، يا ملك الشوارع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة