أكرم القصاص - علا الشافعي

يوسف أيوب

العلاقات المصرية الأمريكية بين التوتر والاستراتيجية

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك تصور أن العلاقات المصرية الأمريكية تواجه الآن وضعًا صعبًا فى ضوء التحركات المصرية فى مجلس الأمن، لحشد التأييد الدولى فى مواجهة قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب للقدس، وما تبع ذلك من اضطرار واشنطن لاستخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن لمنع تمرير مشروع قرار مصرى كان يطالب بالاحتفاظ بالوضع الحالى للقدس باعتبارها مدينة فلسطينية تخضع للاحتلال، وأيضًا تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار بذات المعنى، وما تلاه من تأجيل لزيارة كان معد لها سلفا من جانب نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس للقاهرة.
 
كل هذه الأمور دفعت البعض لتصور أن العلاقات متوترة، خاصة فى ضوء تهديدات المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة للدول التى صوتت ضد القرار الأمريكى، لكن يغيب عن هؤلاء أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن ليست عابرة، وإنما هى علاقة ثابتة وقائمة على عدد من الأسس التى يدركها مسؤولو البلدين، ولديهم إدراك أيضاً لطبيعة اهتمامات كل دولة، وهناك احترام قائم ومتبادل، ولم يتأثر بأى حادث، وإذا نظرنا إلى موضوع القدس، فالإدارة الأمريكية تعلم جيدًا أن الموقف المصرى لم يتغير من قبل قرار ترامب أو بعده، فهو ثابت ومن أسس السياسة المصرية خاصة فيما يتعلق بدعم الشعب الفلسطينى والإسهام فى حل هذا الصراع على أسس الشرعية الدولية، وعلى مرجعيات قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والتوافق الدولى على حل الدولتين، وهو موقف تعلمه جيدًا واشنطن، وتم التأكيد عليها لترامب قبل أن يصدر قراره الكارثى بشأن القدس، وشرح الموقف برمته لهم، وأن الحفاظ على احتمالات التوصل إلى تسوية من خلال الولايات المتحدة كوسيط يتطلب أن تراجع واشنطن موقفها، لذلك لا يمكن لأحد الادعاء أن الموقف المصرى الأخير هو وليد اللحظة، وأنه صدم الإدارة الأمريكية، لأنه موقف مبدئى ومعلوم للجميع.
 
موقف مصر من القضية الفلسطينية لا يتناقض مطلقًا مع إيمانها بأن علاقاتها مع الولايات المتحدة استراتيجية، لأنها دائما تفصل بين العلاقة الثنائية ومسارها وبنائها على المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وبين قضايا قد تتفق أو تختلف عليها مع واشنطن، لذلك يمكن القول أن هذه العلاقة الاستراتيجية لا تتأثر بالاختلاف فى وجهات النظر، بل هى سبب للمزيد من الحوار والتواصل وطرح الرؤى بين البلدين، حتى يمكن الوصول إلى نقطة من التفاهم المشترك حول كيفية إدارة أى نوع من الاختلاف، خاصة أن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة على قدر من التشعب والعمق ومن العناصر المختلفة التى تجعل الطرفين حريصين على أن يسيرا بها فى منحنى من الإيجابية، دون أى تأثيرات سلبية أخرى قد تطرأ، لأن العلاقة الاستراتيجية تقتضى هذا القدر من التواصل والتفاهم، وتحديد نقاط التوافق والاختلاف وكيفية إدارة هذا الاختلاف حفاظا على أهمية العلاقة، وهو ما تقوم به مصر حالياً فى إدارتها للعلاقة مع واشنطن، بإعلاء مبدأ أنه لا يجب أن يؤدى أى اختلاف فى الرؤى إلى قطيعة.
 
فى مسألة القدس وملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تدرك القاهرة أن واشنطن بحكم علاقتها الدولية والإقليمية ومع إسرائيل واتصالها بالسلطة الوطنية الفلسطينية، فقد توافرت لديها الظروف لتكون فى وضعية الوسيط ومقدم للأفكار لحل وكسر جمود الصراع، حتى وأن كانت منحازة لإسرائيل على طول الخط، لكنها طرف لا يمكن تجاهله، لأن دولة بحجم الولايات المتحدة واتصالها بالقضية يجعلها دائما فى موضع قادر على التأثير والعمل، لذلك هناك تنسيق مصرى أمريكى على طول الخط، فى سبيل الوصول إلى تحقيق السلام بالمنطقة من خلال الاستجابة لتحقيق الأمن والاستقرار ، وأيضا الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وتنفيذ التوافق الدولى من حيث إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، فهذا هو الهدف الأكبر الذى تسعى له مصر، وتحاول من خلال نسج علاقات متشابكة مع واشنطن أن تصل للصيغة الأفضل للسلام، والتى تحمى للفلسطينيين حقوقهم.
 
من هذه الزاوية تدير مصر علاقاتها مع الولايات المتحدة، فى إطار من التكامل والتنسيق والتشاور المستمر، وهو أمر صحى استطاع الصمود أمام كل المؤثرات والضغوط، وأيضًا تغيير التركيبة السياسية للإدارة الأمريكية، مما منح العلاقة قوة وصلابة لا يمكن تخيل تعرضها للتأثيرات السلبية بسهولة، وهو ما يؤكد أن أى حديث عن توتر أو جمود حالى فى العلاقة هو حديث لا يتوافق مطلقًا مع الواقع على الأرض، فكل المؤشرات والشواهد تعطينا نتيجة نهائية أن التواصل مستمر وبذات القوة.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة