أثار عالم الآثار السويسرى شارلس بونيه الكثير من الجدل فى قضية "الآثار فى مصر والسودان"، وذلك بعد قوله فى حفل تكريم أعدته له السودان: "افتخروا ببلدكم، مصر ليست أفريقيا، والسودان هو سر أفريقيا، وأصل الحضارة".
وقبل أن نتخيل "شارلس بونيه" بالزى السودانى، حيث ارتدى، أول أمس فى قاعة تسمى الصداقة فى الخرطوم، جلابية ومركوب وعصا أبنوس، علينا أن نتوقف عند تاريخه القديم لنعرف من هو شارلس بونيه الذى قصد أن يشعل الفتنة مرة أخرى بين مصر والسودان.
من هو شارلس بونيه؟
شارلس بونيه من مواليد 15 مارس 1933 حصل على دبلوم مدرسة التكوين الفلاحى بمارسولان بالقرب من مورج، سويسرا فى عام 1954، وتولى إدارة مزرعة الكروم العائلية، وبدأ اهتمامه بالآثار بعدما عثر مصادفة على آثار رومانية فى مزرعته التى كان يديرها.
وما بين عامى 1961 و 1965 درس علوم الآثار المصرية بمركز الدراسة الشرقية بجامعة جنيف، وأصبح نائب مدير الآثار بكانتون جنيف فى عام 1972 ، لكن تخصص شارلس بونيه كان فى تدريس علم الآثار للقرون الوسطى منذ العام 1972 قبل أن يصبح أستاذا منتسبا فى عام 1988 بجامعة جنيف، وقد حصل على الدكتوراه فى علوم آثار القرون الوسطى فى عام 1975 من جامعة ليون 2 الفرنسية.
باشر شارلس بونيه أعمال التنقيب عن الآثار منذ العام 1965 لما شارك فى بعثة جامعة جنيف فى كل من تابو وكرمة فى السودان، وقد أصبح رئيسا لهذه البعثة فى السودان منذ العام 1977.
شارلس بونيه والسودان
قضى شارلس بونيه 43 سنة فى التنقيب بالسودان، بحثا عن آثار الحضارة النوبية وبالأخص آثار عاصمتها كرمة، وانطلق من مؤشرات تقول بوجود فترة حضارية مزدهرة خصوصا فى فترة مملكة كرمة أى ما بين 2500 و1450 قبل الميلاد، وهى الفترة التى يقول شارلس بونيه إنها "عرفت مملكة قوية كانت تخيف فى بعض الأحيان المصريين، ولئن كانت مكونة من سكان رعاة يملكون قطعانا كبيرة من الماشية، فإنهم كانوا أيضا عبارة عن مقاتلين بواسل ورماة نبال مهمين قام الفراعنة بتجنيدهم ضمن جيوشهم فى حروب المنطقة".
شارلس بونيه والحضارة الفرعونية
وقضى شارلس بونيه أكثر من 43 سنة لتعميق معرفته بمنطقة النوبة وبحضارتها والتى يقول عنها "إنها حضارة أسطورية غير معروفة بما فيه الكفاية".
ويرى شارلس بونيه أن الاهتمام بإجراء أبحاث فى السودان هو "بمثابة الاهتمام بالحضارة المصرية من خلال نافذة خارجية وهى السودان".
أبرز إنجازات شارلس بونيه.. العثور على الفراعنة الـ 7
فى 11 يناير من عام 2003 عثر شارلس بونيه على سبعة تماثيل للفراعنة السود فإن فترة 700 عام قبل الميلاد عرفت حكم الفراعنة السود الذين اكتشف شارلس بونيه تماثيلهم السبعة فى أكبر إنجاز يحققه منذ بداية أبحاثه فى منطقة كرمة منذ أكثر من أربعين عاما، ومن منطقة النوبة، تاهرقا، وتانوت آمون، وملوك حكموا البلاد فيما بعد مثل آسبلتا، وآنلامانى وسانكامنيسكن وغيرهم.
زاهى حواس.. كلامه مجامله
وردا على تصريحاته حول أن السودان هى أصل الحضارة قال الدكتور زاهى حواس، عالم الآثار، وزير الآثار الأسبق، إن حديث عالم الآثار السويسرى شارلس بونيه عن أن السودان أصل الحضارات، "كلام مجاملة غير مبنى على أدلة واضحة".
وأوضح زاهى حواس، أن كل الجامعات فى العالم تعتمد فى حديثها عن أن أصل الحضارات على زمن الكتابة، وأشار زاهى حواس، إلى أنه لا يوجد دليل على وجود الكتابة فى السودان، مضيفا أن عالم الآثار السويسرى يدرس الآثار كهواية ولا يرتبط بعلم الآثار.
بسام الشماع.: لا يفهم معنى كلمة حضارة
وقال عالم المصريات بسام شماع، فى البداية لا بد أن نضع مفهوما لكلمة أصل الحضارات فى رأيى أن تعريف كلمة الحضارة هى "مجموعة تعيش فى مكان، يبتكرون شيئا لتطور مجتمعهم"، فعالم الآثار الشهير كينت ويكس، قال فى كتابة الأقصر "عاش البشر على أرض طيبة، على الأقل منذ 500 ألف عام يعنى نصف مليون سنة"، فهل تقدر السودان أن تثبت لنفسها مثل ذلك.
وانتقل عالم المصريات إلى الابتكار والاختراع الذى يترك تأثير فى العالم، قائلا فى مائة كليو غرب أبو سمبل فى القرن الماضى، تم اكتشاف دائرة حجرية قطرها 4 متر، لتحديد الاتجاهات ودراسة التقويم السنوى، بل ووصلت العبقرية بأنها تحدد مكانة شروق الشمس فى أول يوم من أيام فصل الصيف، وبداية موسم الامطار، إذن نحن أمام "مذولة وبوصلة بل تعبر أقدم "gps" فى التاريخ، فتم تأريخ هذه الدائرة الفلكية الحجرية بـ4 آلاف و200 سنة، وعلماء آخرون قالوا إن تاريخها يصل إلى 7 آلاف سنة، والبعض رأى أن تاريخها يصل 12 ألف هذا الاختراع يؤثر ليس فى المجتمع المصرى بل يؤثر فى العالم، إذا وجد مثل هذا الابتكار فى العالم يمكننا أن هذه البلد بها حضارة.
وتابع بسام الشماع أن الحضارة المصرية لم تبدأ منذ عصر توحيد القطرين فقط، تم اكتشافات حضارات مصرية فى مناطق مختلفة فى مصر ترجع العصر ما قبل توحيد القطرين مثل حضارة "نقاداه وحضارة جرزه، وحضارة مرمده "بنى سلامة"، وحضارة حلوان، وحضارة المعادى وحضارة وادى حوف.
أما على مستوى الانجازات، قال بسام الشماع، إن مصر لديها أول طبيب أسنان فى تاريخ العالم، هو حسى رع، وله آثار فى المتحف المصرى بالتحرير، إضافة إلى لدينا أول طبيبة فى التاريخ منذ 4 آلاف سنة تدعى بسيشت من الدولة القديمة لها اثر فى صقارة، كما أننا لدينا مهندس ايمحتب، لأول هرم فى التاريخ وهو مئات ومئات ومئات السنين قبل أهرامات "السودان"، كما أننا لدينا مسلة فى معابد الكرنك 325 طن من المملكة حاتشبسوت.
ولفت بسام الشماع إلى أن الآثار المتواجدة فى متحف الخرطوم، تصور ملوك النوبة يرتدون الرداء المصرى، مما يدل على التأثير المصرى على ملوك النوبة، كما يوجد بعض من "الآلهة مصرية الأسطورية فى السودان".
وهاجم بسام الشماع عالم الآثار السويسرى حول تصريح السودان أقدم الحضارات، قائلا لماذا تقول هذا التصريح وما هو هدفك؟، فهذه الجملة عنصرية بامتياز وتحاول تطفى على الحضارات المتقاربة، فهذا التصريح يحمل فى طياته تفرقة حضارتين متقاربتين، هذا التصريح غير مسئول من المفترض أن تعمل روابط بين الحضارات.
وأكد بسام الشماع أن هذا التصريح يعمل على حدوث بلبلة، وتزكى روح الانقسام بين بلدين شقيقتين مصر والسودان، فنحن لا نسمح بهذه الأقاويل.
بينما قال الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن ما قاله عالم الآثار السويسرى، شارلس بونيه عن إن السودان هى أقدم الحضارات كلام غير صحيح بالمرة، فمصر معروفة على مستوى العالم بأنها أقدم الحضارات.
وأوضح الحسين عبد البصير أن دراسات العالم السويسرى شارلس بونيه تخص منطقة النوبة العليا وتركز على الأسرة 25، ومن المعروف أن هذه الأسرة تأثرت بالحضارة المصرية وتشبعوا بثقافة وعادات المصريين.
وسيم السيسى: شارلس بونيه لا يقرأ
وأوضح وسيم السيسى أن هذه الدراسة أوضحت أن الجينات المصرية متواجدة فى الجينات الأسيوية والأوروبية من 55 ألف سنة مضت، مما يدل بالتأكيد أن الجنيات السودانية بداخلها جينات مصرية.
وأكد وسيم السيسى أن ارتفاع الأهرامات يصل إلى 194 مترا فى حين أن أهرامات السودان طولها 30 مترا فقط، لافتا إلى أن عالم الآثار السويسرى من المحتمل أنه متأثر بأفكار "صهيونية" أو أنه يعمل لصالح بعض المنظمات التى تسيطر عليها الحركات الصهيوينة.
97
تاريخ الأزمة
وهذا الكلام يعيدنا إلى أزمة حدثت منذ فترة ليست بعيدة وذلك عندما صرح وزير الإعلام السودانى أحمد بلال عثمان، بأن فرعون موسى كان سودانيا وأن أهرامات السودان أقدم من أهرامات مصر، كما مولت الحكومة السودانية كتابا يزعم بأن التوراة هبطت فى السودان وليست فى مصر.
كما زعم باحث سودانى، أن بلاده هى مهبط التوراة على النبى موسى عليه السلام، فيما رأت باحثة أخرى أن منطقة "مجمع البحرين" التى وردت فى القرآن الكريم توجد فى السودان أيضا، خلافا لما هو متعارف عليه تاريخيا، بأنها فى مصر.
كما زعم وزير الإعلام وقتها بأن السودانيين حكموا مصر قائلا: "لا يعلم الكثيرون أن فرعون موسى كان أحد الفراعنة السودانيين الذين حكموا مصر"، مستندا إلى قول الله تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، وذلك فى تزييف متعمد للحقائق وتاريخ وحضارة مصر القديمة الممتد لآلاف السنين.
وأضاف أن عددا من أساتذة التاريخ السودانيين يعملون الآن على تنقيح الكتب التاريخية من الأخطاء التى وردت فيها، لتثبت حضارة بلاده الضاربة فى القدم.
وفى تطاول واضح أكد الوزير السودانى على أن بلاده ستقوم بتوضيح للعالم أن الأهرامات السودانية أقدم من المصرية قائلا: "أهرامات البجراوية أقدم من الأهرامات المصرية بألفى عام، وهو ما سنعمل على توضيحه للعالم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة