سهيلة فوزى

لعنة الله على الطبيب

الجمعة، 15 ديسمبر 2017 09:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

السلام عليكم دار قوم مؤمنين.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون


اعتاد أن يردد تلك الجملة كلما مر بحقول القبور المتناثرة حول القاهرة القديمة، لم يُلق بالا من قبل بالنصف الثانى من تلك العبارة، أما اليوم فى طريق عودته من زيارة الطبيب، ألقى عليهم السلام كما اعتاد دائما، وهمس لهم سأصبح قريبا واحدا من أولئك السابقين. يومها أخبره الطبيب صراحة: "ليس أمامك إلا ثلاثة أشهر، والقلب لن يصمد طويلا بعدها ربما ساعات أو حتى أيام معدودة."
 ثار فى وجه الطبيب: أيام معدودة؟ كيف تكون أيامى معدودة؟ من قرر ذلك؟ من أعطاك الحق لتقرر ذلك؟
حاول الطبيب الدفاع عن نفسه نافيا تلك التهمة:
- لم أقرر شيئا، العلم هو الذى قرر. قلبك لن يحتمل أكثر. أرجوك إهدأ ولا تُزيد الأمر سوءا، لا أريدك أن تتألم. دبرت لك علاجا يجعلك تهنأ بما تبقى لك. تناول حبة زرقاء كل صباح، وحبة صفراء فى المساء.
- لكنى لا أحب اللون الأصفر وأنت تعلم ذلك.
- ولكنها مجرد دواء.
- لن أتناولها. لا أحب اللون الأصفر. لم أحبه طوال حياتى، ولن أفتح معه صفحة جديدة الأن قبل موتى kبأيام.
 - حسنا يمكن أن تستبدل الحبة الصفراء بأخرى حمراء.
وهكذا غادرت عيادة الطبيب ولا أملك من حياتى إلا تسعين يوما، وجيوب عامرة بمائة وثمانين حبة.

فى صباح يومى الأول -من أصل تسعين يوم- فكرت ألا أتناول الحبة الزرقاء ولكنى خشيت أن أتألم فأنا لا أكره فى حياتى إلا آلام المرض، أريد أن تكون أيامى القليلة هادئة فقذفت بها إلى فمى وأغرقتها بكوب من الماء البارد، ووقفت أنظر إلى نفسى فى المرآة، ماذا سأفعل فى يومى الأول.

.......... إبراهيم عبد الخالق ، خُيل إلى أن أحدا يهمس بأذنى ولكنى لم ألتقط إلا اسم جدى، أغمضت عينى مستحثا أذنى على الإنصات جيدا، فتحت عينى مجددا لم أفلح فى المرة الثانية أيضا فى إدراك اسمى كاملا
 
.......... عبد الخالق إحالة أوراقه لفضيلة المفتى.
- من؟ كيف؟ أى مفتى؟ هل جُننت؟ من أنت حتى تحيلنى للمفتى؟
جاءه الرد حاسما:
- من تظننى حتى أحيل أوراقك للمفتي ساعى بريد، أنا القاضى هنا، وأنت متهم بقتل السيدة منيرة، ضبطت متلبسا ملطخا بدمائها بجوار الجثة ممسكا بسلاح الجريمة، انتهى الأمر.
- كيف ينتهى الأمر وهو لم يبدأ من الأساس، لم أقتل منيرة تلك كما تدعون، أعترف أن المرأة الوحيدة التى  تمنيت كثيرا قتلها كانت زوجتى ولكنى فضلت تطليقها.
لا يحق لك أن تحكم على بالإعدام الأن.. أخبرنى الطبيب أن مازال أمامى ثلاثة أشهر. كيف تجرؤ على تحدى إرادة السماء التى منحتنى ثلاثة أشهر على أقل تقدير، فتقتلنى بجريمة لم أقترفها؟

التفت إليه القاضى غاضبا فكر أن يأمر بعقابه للنيل من هيبة المحكمة، لكن تذكر أنه حكم عليه بالإعدام فأى عقاب آخر ممكن أن ينزله به، فصرخ فى وجهه:
- كيف تجرؤ أن تتحدث إلى هيئة المحكمة بتلك اللهجة. قضى الأمر. اعتراضك على الحكم الأن لن يفيد.
- تسلبنى حياتى ولا يحق لى الاعتراض.. مازال أمامى تسعون يوما هكذا أخبرنى الطبيب.. ومتى يفيدنى الاعتراض إذا لم اعترض الأن؟
- بعد التنفيذ.. جاوبه القاضى ورفع الجلسة
- !!!!!!!!.
يشعر بقبضة يد تطبق على ذراعه، ويستحثه صاحبها على السير معه دون اعتراض، يتذكر ثورته على السماء بعد ما قاله الطبيب عن أيامه المعدودة الباقية، تسعون يوما رفضها ساخطا لأنها قليلة فإذا بها تتبخر من بين يديه الأن وتتحول إلى ساعات، أغمض عينيه واستسلم فى يأس تابعا خطوات العسكرى فى طريقه إلى عربة الترحيلات، توقف العسكرى فتوقف هو أيضا وفتح عينيه، فإذا به مازال يحدق فى المرآة ممسكا كوب الماء فى يديه بعد أن تناول حبته الزرقاء.
 وعقارب الساعة تشير إلى الخامسة مساءا حان الأن موعد الحبة الحمراء كما أوصاه الطبيب.
لعنة الله على الطبيب –هكذا صرخ غاضبا- لما يفعل بى هذا كدت أفقد حياتى فى المرة الأولى، سأذهب إليه وأحشو فمه بتلك الحبات الملعونة ليرى ما فعلته بى حباته المجنونة.
ولكن ماذا ينتظرنى مع تلك الحبة الحمراء؟ ربما ترسلنى مباشرة إلى الجحيم. سأرى الأن، ثم قذفها فى فمه وأغرقها بكوب ماء بارد.

وقال لنفسه لن أظل هذه المرة واقفا أمام المرآة كالأبله هكذا، سأجلس على المقعد. أراح ظهره للخلف، وأغمض عينيه، فإذا بعطرها الرائع يملأ أنفاسه فيفتح عينيه باحثا عن مصدره. شابة أنيقة جلست لتوها فى المقعد المقابل له تنتظر دورها. على وجهها أمارات الضيق، تكره زيارة البنوك لكنها مضطرة.
همست إليه حضرتك رقم كام؟ .. لم يُجب عليها كان لا يزال مأخوذا بعطرها يضمها إلى صدره بعينيه المفتوحتين عليها دون أن يهتز لهما رمش.
كررت سؤالها بصوت أعلى قليلا.
- لا أعرف، لمح الإحباط على وجهها فاستدرك الأمر ونظر فى يديه ورقة تحمل رقم 35 فأجابها رقم 35.
- ما زال أمامنا وقتا طويلا، أكره الانتظار، فقط أريد أن يتوقفوا عن إرسال خطابات البنك إلى عنوانى القديم هل يتطلب الأمر كل هذه المعاناة، ألا تمل أنت أيضا من الانتظار.
- نعم، هل تقبلين دعوتى لتناول مشروبا ساخنا حتى يحين دورنا.
خرجا معا، يهمس لنفسه متسائلا: الأن يطرق الحب بابى وأنا استعد للرحيل؟ وما أن جلسا حتى باغتها قائلا
- سأموت خلال ثلاثة أشهر.
- من قال لك هذا؟  لا يعلم الغيب إلا الله.
- ليس علما بالغيب، ولكنه علما بحالة قلبى هكذا قال لى الطبيب
- إذا أردت يمكننى أن اصطحبك لطبيب آخر تستشيره، بعد أن ننهى أمر البنك، سأعود إلى منزلى وألقاك فى الثامنة أمام عيادته فى الزمالك.

ذهبت على وعد بلقاء يجمعهما أمام عيادة الطبيب، أراح ظهره للخلف فى مقعده أمام فنجان قهوتها الفارغ، أغمض عينيه يحلم بها ممسكا بيديها ويصعدا معا إلى البرج لطالما حلم أن يصطحب فتاته إلى قمة البرج، وسيفعل بعد أن يؤكد له طبيبه الجديد أنه بصحة جيدة، ترى كم كم تبقى من الوقت على عودتها،  فتح عينيه ونظر إلى الساعة عقاربها تشير إلى الواحدة صباحا فى يديه اليسرى ، ويده اليمنى مازالت ممسكة بكوب الماء الفارغ.
ثم تنهد فى يأس.. لعنة الله على الطبيب
 







مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

طبيب أم حانوتي ...

يمكن راح ل عزرائيل ......

عدد الردود 0

بواسطة:

جميله

جميله

جميله

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة