دائما نصبو إلى تقبل عناصر العولمةِ الثقافية بما تحمله من تحرر وعولمةٍ للعادات والتقاليد على جميع الأصعدةِ وبمختلف الطرق، ولا ننظر إلى التأثير السلبى الذى تُخلفُه تلك الثقافات المتحرر والعولمةُ بشتى أنواعها حينما يتم تطبيقها فى الوقت غير المناسب أو فى المكان غير الملائم أو حين يتمُ تطبيقها بشكلٍ أعمى، دون النظر إلى ما تحمله تلك المصطلحات من عوارٍ أخلاقى أو من عادات اجتماعية تقتلُ الأمانَ فى داخلنا وتمزقُ الأواصر فيما بيننا، كمن يتمنى أن يأكل نوعاً من الأطعمة ما لـشيءٍ إلا لأنه جميلٌ فى مظهرِه غالٍ فى ثمنه، دون التحقق من قدرة جسده على استيعاب واستقبال هذا النوع من الأطعمة، وحينما تسأل عن السبب تجد رداً باهتاً يدعى التحضر ومسايرةَ العصر دون الالتفات للأثر القاتل لأخذ الأشياء على علتِها من غير تنقيحٍ ولا اختيار.
لتظل العولمة بكل أنواعها هى المتهم الأول فى كل ما نمرُ به من التفكك المجتمعى والأسرى فى هذه الآونة الأخيرة، ويُشارُ إلى العولمةِ دون غيرها شكلاً وموضوعاً حينما نتكلمُ عن الإحساس بالغربة وفقد التلاحم الأسرى والمودة والرحمة فيما بيننا، ولا خلافَ فى أن الحقيقة تجافى هذا الاتهام ليبقى المتهم الحقيقى هو أنت أيها المُتلقى لتلك العولمة التى لا تجبرُك على اتخاذها واتباعها بدون موافقتك لتبقى هى مسألةُ العرض والطلب ولكن الكارثة الكبرى أنك طبقت ثقافات تُنكرُ علينا كلَ شيء وتنتقضُ كل ثوابتنا ومن غير استثناء، فهى فى قالبِها لا تعترفُ بالدين ولا بالمجتمع، ومع هذا كله ترحبُ بها لتستحقَ أن تنال عقاب التفريطِ فيما كان اللبنة الأولى فى تحضر هؤلاء الذين يُصدِّرون لك اليوم تقدماً مسموماً فى ثوبٍ جميلِ المظهر خبيث المخبر ومن غير شك .
لا ننكرُ بأى حالٍ من الأحوال أن عولمة الاقتصاد والعولمة التجارية نوعان من العولمةِ يحملان من الإيجابيات ما يفوق سلبياتهما ولكن الكارثة الكبرى كانت فى عولمة العادات والتقاليد والتى تخطو بنا خطواتٍ مهولة نحو الهاويةِ وفقدان شخصيةِ المجتمع العربى الأصيل، نحو ماديةٍ عفنة تحملُ التقدم فى ظاهرها وتخفى سموماً تفككُ المجتمع وتُجهِزُ على كل ثوابته .
إن ما يجنيه المجتمعُ العربى ومنذ عقودٍ من أثارٍ سلبيةٍ للعولمة وصلت بنا اليوم إلى التفكك الأسرى شبه الكامل، هو نتيجة تقبل عادات الغرب وقواعد حياتهم وتطبيقها بشكلٍ أرعن لا تنقيح فيه ولا رفض فيه لما يتنافى مع أصولنا وعقائدنا، لنساعدهم على تأصيل الجهل لدينا بأن نصبح دوماً المقلدين أولئك الذين ينتظرون دوماً الجديد ولا يعرفون شيئاً عن الإختراع والتجديد، ولنتناسى وبالكلية ما صدَّرناه نحن للغرب سابقاً من العلم والنهضة والتطور الحقيقى الذى أنشأوا عليه حضارتهم اليوم ليُصدِّروا لنا ما يدمرنا لتتحقق لهم الغلبةَ .
إن ما سلف ليس فيه اتهاماً للعولمةِ بقدر ما أنه يحمِّلُكَ أنت أيها الرجلُ الشرقى العربى كل الإثمِ على قبولِها الأعمى، ليصلَّ بنا الحالُ وفى داخل الأسرة الواحدة أننا ربما لا نلتقى فى اليوم الواحد إلا بالصدفة لأنَّا كلنا مشغولون بمواقع التواصل التى استخدمناها لتقتلَ فينا كلَّ معانى التواصل وبالهاتف المحمول الذى حملناها ليغتالَ فينا كلَّ ما تبقى من دفءِ الأسرة وصدق المودة .
إنا لا نحاربُ الرقى والتحضر وإنما نريدُ أن نعودَ إلى الاجتماعية الصادقة التى افتقدها الغرب حينما اعتمد على الماديةِ العفنة التى ربما أدت بينهم إلى تزايد معدلات الانتحار والجريمة على الرغم من التقدم الاقتصادى الهائل ليبقى التقدم الحقيقى هو التقدم الذى يخدمك وليس الذى يؤرقُ مضجعَك ويشعرُك بالغربةِ وأنت فى بيتك ومع عائلتِك لنحيا جميعاً غربةً فى ظل العولمة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة