خالد عزب يكتب: إطلالة على المعماريين المصريين الرواد

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017 12:00 ص
خالد عزب يكتب: إطلالة على المعماريين المصريين الرواد غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر مؤخرًا كتاب مهم تحت عنوان "إطلالة على المعماريين المصريين الرواد" من تأليف الدكتورة شيماء عاشور، الكتاب له عدة أبعاد: فكرية، ثقافية، اجتماعية، معمارية، فهو يتناول العمارة من حيث تعبيرها عن الهوية المصرية فى ظل زحف المعماريين الأجانب، بل تؤكد المؤلفة على فقدان العمارة المعاصرة لقدرتها عن التعبير عن الهوية المصرية المعاصرة.

وترى الدكتورة شيماء عاشور أن التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أثرت على الأشكال التخطيطية والتصميمية فى النصف الأول من القرن العشرين لتلقى بظلالها على الحركة المعمارية. فتغير الهيكل الطبقى للمجتمع المصرى بتزايد حجم الطبقة الرأسمالية الأجنبية التى استثمرت أموالها فى مجال العقارات وسيطر المهندسون الأجانب على العمليات التخطيطية والتصميمية، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى ساعدت على تزايد التواجد الأجنبى كقيام الشركات الأجنبية بأنشطة المقاولات خاصة للمشروعات الكبرى مع مشاركة الأجانب فى بعض المؤسسات الممولة للبناء مثل البناء العقاري. و أخيراً تأثير المخططات العامة لبعض المدن الأوروبية كتأثير وافد على جميع الملكيات. لذلك فقد هيمن العنصر الأجنبى على العمارة المصرية بشكل واضح حتى أواخر القرن التاسع عشر بسبب الاحتكاك بالثقافة والفكر النهضوى الأوروبي. إلى أن بدأ التحول بطريقة متدرجة بدءاً من مرحلة الصدام بالواقع الغربى ومروراً بمرحلة الأخذ بأسباب النهضة الأوروبية ووصولاً إلى بداية مرحلة نقل النموذج الغربى بكل إيجابياته وسلبياته. وفيما يلى عرضاً لمراحل هذا التحول:

 

هيمنة المعمارى الأجنبى
 

انفرد المعمارى الأجنبى منذ عهد محمد على بالدور الريادى فى ظل غياب المعمارى المصرى الذى لم يبدأ دوره إلا فى بداية القرن العشرين بعد مرحلة طويلة من احتكار الأجانب مثل لينان دى بلفون مهندس محمد على أو المعمارى باريل الذى نسق حدائق الأورمان والأزبكية فى عهد إسماعيل، ويمكن إرجاع ذلك إلى سببين رئيسيين، أولهما غياب التعليم المعمارى المحلى فى فترة الاحتلال البريطانى حتى ظهور أول مدرسة لدراسة العمارة فى 1886 وهى "مدرسة الهندسة" التى تخرج منها فى فترة الاحتلال 17 معمارى فقط والسبب الثانى يرجع إلى تواجد الجاليات الأجنبية، الأمر الذى شجع على استمرار هذا الاتجاه على يد كلا من جاسبار البلجيكى والكسندر مارسيل الرفنسى وغيرهم. لذلك فقد سيطر الأجانب على السوق المعمارى سواء على نطاق المعماريين كأفراد أو على نطاق الشركات العقارية والهيئات منذ منتصف القرن التاسع حتى أوائل القرن العشرين، ومثلوا جنسيات مختلفة التقت فى مصر نتيجة العوامل السياسية والاقتصادية وهيمنة أصحاب النفوذ. انعكست تلك الهيمنة بدورها على جميع القطاعات الهندسية سواء المهندسين أو الفنيين أو حتى مواد البناء المستوردة من الخارج ويمكن رصد ملامح تلك السيطرة فى أربعة مظاهر أساسية هي:

أولا:

شركات مقاولات ذات رأس مال وقيادة أجنبية مثل شركة مصر الجديدة البلجيكية، وشركة المعادى الإنجليزية بالإضافة إلى شركات المقاولات الفرنسية والإيطالية والبلجيكية كشركات مقاولات رولان وختينا وايجيكو وفيبرو وكوكينوس وشركة DiFarro الإيطالية وغيرها.

ثانياً:

سيطرة الأجانب على المصالح الحكومية القيادية التى تبنى المبانى العامة التابعة للدولة ومحطات السكة الحديد، وبالتالى تحكمهم فى الطرز المعمارية. فقد رأس مصلحة المبانى الأميرية_ التى كانت تختص بوضع التصميمات والإشراف على مختلف مشاريع الدولة_ المهندس البريطانى ينوم ومهندسوها من الإنجليز أو الفرنسيين أو الإيطاليين، وآخر إنجليزى تولى مصلحة السكك الحديدية والتليفونات، ورأس مشروعات القصور الملكية الإيطالى فيروتشى الذى تولى أيضاً رئاسة قسم الهندسة بوزارة الأوقاف.

ثالثاً:


تأثر الصفوة من كبار رجال الدولة أصحاب المناصب العليا والأثرياء ذوى النفوذ_ سواء على الأرض والمال_ المسيطرين على حركة البناء و الإنشاء والتعمير، بالثقافة الأجنبية واختيارهم لطرز معمارية وتصميمات داخلية أوربية وتفاخرهم باختيار مهندسيين معماريين أجانب لبناء قصورهم وفيلاتهم والعمارات السكنية كما يتفاخرون حتى بالأثاث الذى تصنعه بيوت أجنبية مشهورة على الطرز الأوربية السائدة حينها.

رابعاً:

ظهر فى مجال الأعمال الحرة سواء للنشاط الفنى المعمارى والإنشائى مجموعة من المهندسين من جنسيات مختلفة (سوريين ولبنانيين ويونانيين وفرنسيين و إيطاليين) وأديان أخرى مثل اليهود يشجعهم كبار الملاك ورجال الدول، منهم مصريون بحكم إقامتهم فى مصر وفى نفس الوقت أجانب بحكم جنسيتهم التى احتفظوا بها. فكانوا يستخدمون الشخصية التى تناسب العميل وظروف العمل. وهم: هنرى برنو، ارتشاركيان، شارل عيروط، ريمون انطونيوس، انطوان سليم نحاس، البير زنانيري، وماكس ادرعي، هنرى فريسكو، جاستون روسي، البير خوري.

 

بالتالى عكست العمارة الاتجاهات المتضاربة والمتنافرة على حوائط المبانى لتجمع العمارة المصرية فى ذلك الوقت بين الطرز المختلفة السائدة فى أوروبا فى هذه الفترة فنجد مبانى شركة قناة السويس التابعة لهيئة فرنسية سيطر عليها الطابع الفرنسى "الركوكو والارنفو"، بينما مبانى شركة مصر الجديدة هى شركة بلجيكية سيطر عليها الطابع البلجيكي، أما مبانى المشروعات العقارية فى مدينة الإسكندرية فيحكمها الطابع الإيطالي، ومبانى شركة المعادى وفيلات وقصور الزمالك يسيطر عليها الطابع الإنجليزي.

التفاعل بين المعمارى المصرى ونظيره الأجنبي

ظهر بداية التفاعل بين المعمارى المصرى ونظيره الأجنبى فى ضاحيتى المعادى وهليوبوليس اللتان تنتميان من ناحية المحتوى الاقتصادى الاجتماعى إلى عصر دمج الاقتصاد المصرى والطبقة العليا فى المجتمع فى النظام الرأسمالى العالمي. لكن البداية الفعلية كانت مع تكوين أول مجتمع معمارى مصرى فى 1917 تقريباً ومع الثلاثينيات بدأت تنمو المكانة الاجتماعية للمعماريين المصريين بزيادة مسبة الشهادات العليا للمعماريين المصريين مما ساعد على ممارسة المهنة بمنافسة كبيرة والسيطرة على الوظائف العليا.

بدأت هذه المرحلة عندما وقعت شركة هليوبلس برئاسة بارون امبان عقد الامتياز مع وزارة الأشغال فى عام 1905م ثم مع قيام الحرب العالمية الأولى حيث مهد مشروع هليوبلس للتعاون بين المعمارى المصرى ونظيره الأجنبى عندما سعى امبان إلى استقطاب شخصيات عديدة لتساعده على تحقيق فكرته سواء كانوا من الجاليات الأجنبية المقيمة فى مصر_ كالمعمارى ارنست جاسبار_ أو من الشخصيات المحلية مثل شريكة المهندس بوغوص نوبار نجل الوزير السابق نوبار باشا أول رئيس وزراء فى مصر الحديثة، والذى مهد للاتصال بدوائر قصر الخديو عباس، ومن بعده السلطان حسين، للحصول على مؤازرتهما للمشروع.

ورغم أن بداية التعاون بين البورجوازية الأجنبية والمصرية كان فى مشروع مصر الجديدة إلا أن الهيمنة كانت للعنصر الأجنبى البلجيكى والمصممين الأجانب، فبخلاف مارسيل وجاسبار لم تظهر أسماء معماريين آخرين أكثر أو أقل أهمية كما كانت معظم الإنجازات يتولاها مقاولون يقومون بأنفسهم بعمل التصميمات بالإضافة إلى التنفيذ ومن بينهم "ليون رولان" صاحب شركة رولان للبناء بالقاهرة، بالإضافة إلى حبيب عيروط صاحب المكتب الهندسى الذى توسع بوجود أبناؤه الاثنين وكان هذا المكتب وراء أعمال كثيرة أقيمت فى الفتر ة من 1910 إلى 1940.

 

سيطرة المعمارى المصرى

تغير الاتجاه بعد الحرب العالمية الأولى بإيفاد المبعوثين للخارج فى جميع فروع العلم وشمل ذلك العمارة فأرسلت البعثات إما إلى المدرسة الإنجليزية (جامعة العمارة بجامعة ليفربول والمعهد الملكى للمعماريين البريطانيين بلندن) أو المدرسة الفرنسية (مدرسة الفنون الجميلة بباريس). ثم عاد هؤلاء الرواد فى الثلاثينيات ليبدأوا عهداً جديداً من العمارة المصرية وليتولوا مقاليد السيطرة فى هذا المجال.

بدأ ظهور المعمارى المصرى فى الصورة وكان أولهم المعمارى محمود حسين باشا فهمى وجاء بعده ابنه مصطفى باشا فهمى معمارى الملك فاروق الذى حاول أن يضع ملامح لطراز معمارى جديد سماه عمارة عصر النهضة الإسلامي. تبعه بعد ذلك المعمارى على لبيب جبر الذى ظهرت أعماله مرتبطة بالفكر الأوروبي. كما ظهر فى هذه الفترة معماريون أجانب مثل شارل عيروط اللبنانى الأصل الذى تأثر بالمدرسة الهولندية فى استعمال لطوب الظاهر بألوانه الأصفر و الأحمر و انطوان النحاس اللبنانى الأصل الذى كانت تصميماته انعكاس لفكر المدرسة الفرنسية فى باريس.

أما على الصعيد الوظيفى فقد أشرف مصطفى فهمى على إدارة المبانى الأميرية التابعة لوزارة العمومية وعهد إلى على لبيب جبر برئاسة قسم العمارة بمدرسة الهندسة الملكية وعاونه محمد شريف نعمان وحسن شافعى وغيرهم. كما تولى محمد رأفت رئاسة مصلحة مبانى السكك الحديدية وأسند إلى محمود رياض رئاسة هندسة المبانى بوزارة الأوقاف متعاوناً مع زملائه محمود الحكيم و عبد اللطيف أبو ستيت والمرحوم محمود زكى الطويل. كما توى رئاسة الأقسام الفنية ومصلحة المبانى الأميرية كل من أبو بكر خيرت و أحمد شرمى و أحمد صدقى تحت إشراف على فريد وحسين زكى قاسم.

كما أدى فوز أبو بكر خيرت فى مسابقة لتصميم فندق وعمارة بميدان الأوبرا إلى اقتناع عثمان محرم_ وزير الأشغال فى هذا الوقت_ بقدرات المعمارى المصرى فأصدر قراراً بأن يحل المهندسون المصريون محل المهندسين الأجانب فى وزارة الأشغال.

ورغم هذا التواجد الملحوظ استمر تواجد المعماريين الإنجليز والفرنسيين والأمريكان فى هذه الفترة ولكن بشكل أقل مما سبق فمبانى جامعة القاهرة صممها الإنجليزى نيومان _1932) كما صمم كلاً من جاك هارد وبارك وماكس ادرعى مبنى المحكمة العليا. وفى الوقت الذى لمع فيه نجم ماكس ادرعى فى عمارة اليونيون والايموبيليا ظهر المعمارى محمود رياض الذى صمم جامعة الدول العربية وظهر معه أبو بكر خيرت الذى ألف مجموعة من الموسيقى الكلاسيكية المتمصرة وأخيه على خيرت الذى تتلمذ على يد " ماريو روسي" فى العمارة الإسلامية و أشرف على بناء العديد من مساجد وزارة الأوقاف. ظهر بعد ذلك حسن فتحى الذى دعا لضرورة البناء بالمواد المحلية البيئية ومشاركة الإنسان فى بناء مسكنه الخاص بالنسبة للفقراء منهم وظهر فى نفس جيله سيد كريم الذى أنهى تعليمه فى المدرسة العليا بزيورخ بسويسرا وتأثرت عمارته بأفكار أستاذه سافر برج السويسري. على أن هذا الوجود الأجنبى فى مجال البناء انتهى نهائياً مع التعديلات الاقتصادية التى بدأت منذ أواخر الأربعينيات لتأخذ شكلها النهائى فى حكم عبد الناصر.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة