صورة من المعاناة والمثابرة تتجدد فى شوارع مصر المحروسة، لفتيات تعملن منذ نعومة أظافرهن فى مهن شاقة يهرب منها الرجال، كُتب عليهن الشقاء فبدلن متاع الدنيا بالصلابة والقوة، ميرفت ابنة الـ16 عامًا يمكنك أن تجدها فى أحد شوارع حى الهرم بالجيزة، معتلية "عربة كارو" وتمسك بيديها اللجام، ولا أحد يعرف إذا كانت تحد به انحراف حصانها أم انحراف وقسوة زمانها، وخلفها مجموعة من أسطوانات الغاز تطرق عليها وتقول "أنابيب".
"ميرفت" هى الابنة الوسطى لأسرتها التى لا يمكن أن نقول إنها تعانى فقرًا مدقعًا، ولكن رب الأسرة لديه قناعة أن الأبناء هم الإرث الذى يؤمنه من قسوة الحياة، ففى سن العاشرة تبدأ الابنة فى تحمل المسئولة والخروج للعمل فى "بيع الأنابيب"، كما قال والدها "محمود رضوان"، فتخرج الفتاة من الصباح الباكر وتعود فى آخر النهار حاملة معها حصاد اليوم لمساعدته على المعيشة، ثم تبدأ فى مساعدة والدتها فى أعمال البيت، كما أنها تساعد فى زواج أخوتها كما فعلت ميرفت، ويؤكد الأب أنه لم ينتابه الخوف على بناته من العمل خارج البيت لأنه علمهن كيفية الحفاظ على أنفسهن، فكلهن عملن فى هذه المهنة حتى تزوجن، وعندما تتزوج ميرفت ستعمل فى بيتها فقط مثل أخواتها.
رحم الله أخواتها من هذا الشقاء فتزوجن، فالعرف فى تلك العائلة أن البنت عندما تتزوج لا تعمل وتكتفى بأعمال البيت فقط، أما بطلة قصتنا فلم يأت وقت راحتها بعد، قالت "ميرفت" لـ"فيديو7" قناة اليوم السابع المصورة، "بشتغل وأنا عندى 11 سنة عشان أساعد أهلى وعشان أجهز نفسى، بطلع من البيت 6 الصبح، بعد ما أحضر العربية والحصان وأضمن أن كل الأنابيب مليانة، بلف الشوارع وأنادى على شغلى، بشيل الأنبوبة وبطلع بها للدور الـ12 أركبها وأجربها وأنزل.. طول اليوم على كده، أوقات كتير بحس إنى تعبانة وضهرى وجعنى لكن بدوس على نفسى عشان خاطر أهلى".
تابعت "بكسب فى النقلة من 100 إلى 120 جنيه بعمل حوالى 3 نقلات فى اليوم، حصاد يومى بعطيه لأختى الكبيرة عشان تسد الجمعيات اللى عليا، وتشوف أخواتى محتاجين إيه".
أضافت ميرفت: "الناس بتقولى أنتِ بـ100 راجل عشان بخرج واشتغل وأجيب قرش لأهلى وبسد ديونى ومعايا فلوس، لكن محدش يعرف المعاناة والمخاطر اللى بتقابلنا، إنى أفضل لوحدى وأدافع عن نفسى لو حد حاول يضايقنى أو أشيل الأنابيب وأطلع أدوار عالية وده خطر على الضهر أو أدخل شقة ولاقى حد يضايقنى، كل دى مخاطر لو أنا متعلمة ما كنش حصل كده".
ميرفت ككل الفتيات، كانت تراودها فكرة إثبات الذات، فحلمت، كما قالت: "كان نفسى أبقى أحسن من كده، لما بشوف واحدة بتقرا قدامى بكون مكسوفة وعاوزة أعيط، العلام حلو يارتنى أتعلمت عشان أكون أبلة".
وتابعت أحلامها فقالت: "كان نفسى أكون زى البنات لابسين حلو، أتشيك وأتفسح ألبس فستان وبنطلون وبلوزة، لكن ظروفى كده وحياتى طلعت كده البنت عندنا تشتغل فى الأنابيب وهى فى بيت أهلها ولما تتجوز تخدم جوزها وبيتها وبس"، هذه ميرفت الطفلة التى تتحمل الصعاب من أجل لقمة العيش، فتُرى كم ميرفت فى مصرنا الغالية؟