أبى .. أمى .. كلمتان طالما كنا نتفوه بهما و نشعر بهيبة واطمئنان ونحن ننطق بهما حينما كنا صغار وحتى بعد أن كبرنا وتزوجنا وأنجبنا .
ولكن الإحساس بمعناهما لم نكن نعرفه إلا بعد أن صرنا أباء وأمهات ... فالطفل الصغير عندما يخاف ينادى على أبيه أو أمه لأنهما مصدر الأمان له وعندما يفرح بقدوم أحدهما يحمل هدية له يناديهما بنداء ممزوج بالضحك فتخرج منه كلمة ( أبى أو أمى ) بشكل مختلف، يعشق كل أب وأم سماعهما.
وعندما يصاب الابن أو البنت بالهم أو الضيق لا يجد إلا صدر الأبوين ليرتمى فيه ليستنشق رائحتهما ويملأ صدره بهما، ليخرج الضيق من الصدر ويحل الأمان والهدوء مكانه.
ويكبر الولد والبنت وتتغير الشخصيات والصفات والطباع فيخرج منهم من هو حنون على أبويه، ومنهم من يخرج بخيل فى إظهار حبه لهما مع أنه يحبهما. وأيضاً يخرج منهم من هو عاق لهما فيأتى عليه وقت وكأنه خلق من دونهما ولا يتذكر لهما يوماً طيباً . وكأنهم لم يحنوا عليه فى يوم من الأيام .
فيمرض الأب أو الأم فيسارع الأبناء الصالحون إلى مساعدتهما والسهر عليهما، ويبكون لتألم أى منهما، ويسارع الأبناء إلى خدمتهما متمنيين ألا يأتى يوم لا يجدوا أى منهما بجانبهم.. وعلى جانب آخر نجد من هو لا يعنى له مرض أبيه وأمه شىء .. فربما يلقى بهما فى دار رعاية بكبار السن أو يتركهما يعيشان بفمردهما حتى الموت .. فهناك أباء وأمهات يتسولون رؤيه الأبناء . ويعيشون وكأنهم لم ينجبا على الرغم من وجود الأبناء .
فالقلوب التى تنبض بصدورنا خلقها الله سبحانة وتعالى لتدير المصنع الربانى (جسم الإنسان) ومن ضمن آلات ذلك المصنع هو (العقل) الذى يوجه صاحبه إلى التصرف السليم ... ولكن هناك قلوب (كالحجارة أو هى أشد قسوة)، لا تنقبض ولا تتألم لمرض أو تألم الأب أو الأم عند مرضهما، وربما يدفع ذلك القلب القاسى (العقل) إلى اتخاذ قرار من الابن العاق ناحية أبوية المريضين يتسبب فى تألمهما أكثر من ألم المرض ... وتجد هؤلاء يتناسون أو لا يدركون أوامر الله عز وجل فى سورة الإسراء حين قال سبحانة ."وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾.
فمن يتفكر فى تلك الآية يجد أن الله سبحانه وتعالى أعلن مجموعة من الأوامر فى آية واحدة ولم يفصل بينها، فبدأها بأمر وهو ألا نعبد إلا إياه ثم ألحقها بأمر ثانى وهو الإحسان إلى الأبوين ثم أعقبهم بأمر ثالث وهو إذا بلغ أحدنا أبويه عند الكبر أو أحدهما أن نحسن المعاملة معهم ونرعاهم ولا نرفع أصواتنا عليهم .. حتى كلمة (أف) نهانا الله عذ وجل عنها. وأكمل الله سبحانه الأمر بأن نقول لهم القول الكريم حين تحدثنا معهم .. وكأن الله سبحانه وتعالى كى يشعرنا بحجم ثواب الإحسان إلى الأبوين ربطه بالتسليم بألا نعبد إياه .. أى من يؤمن بألا إله إلا الله عليه أن يؤمن بوجوبية الإحسان إلى أبويه ... سبحانك ربى .
أتذكر كلمة أحد أصدقائى حينما توفت والدته بعد وفاة أبيه بفترة فقال لى (الآن شعرت بأنى يتيم)، وذلك على الرغم من كبر سن الأم ونومها على فراش بلا حراك لسنوات حتى أراد الله لها التكريم وصعدت إليه .
فبعد وفاة أى منهما نظل متعلقين فى المصدر الثانى من مصادر الأمان حتى نكمل حياتنا . وبعد حلول الأجل للآخر نشعر حينها بمعنى (اليتم) الحقيقى .. نشعر بالتوهان فى الدنيا ... نشعر بالخوف من القادم على الرغم من كبر أعمارنا .
فمهما بلغ الأبوان من الكبر وأصبح الأبناء هم من يديرون شئون حياة الأبوين فوجودهما أو وجود أحدهما يكفى ليشعر الأبناء بأن هناك من يمدهم بالأمان ويعينهم على هم الدنيا وقساوتها حتى وإن لم يكن لأى من الأبوين دور لكبر السن أو المرض ... فوجودهما يكفى لكى نشعر بالأمان فى الدنيا مهما كبرنا .
اللهم أنعم علينا بثواب طاعتك فى أبائنا وأمهاتنا واكرمنا ومتعنا بهم وأحسن خاتمتهم وتوفهم وأنت راض عنهم وأعنا على طاعتك فيهم .
فهنيئاً لكل من يعيش معه أبويه أو أحدهما .. فمازال أمامه الطريق إلى الجنة مفتوح مفروش بالورود وينادى عليه المنادى من قبل الرحمن أن أقبل يا عبد الله .. فالباب سيغلق قريباً .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة