ضياء الدين إلهمامى يكتب: حتى تكون أديبا

السبت، 21 أكتوبر 2017 08:00 م
ضياء الدين إلهمامى يكتب: حتى تكون أديبا نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان نجيب محفوظ أديبا مثقفا، عاش ما عاش لم نسمع منه ولا فى أدبه أى ألفاظ خارجة ولا تفرق فى جوارحه، ولم نعهد عليه أى تبرير أو تحريك أو زعزعة لقواعد ثابتة تخص أى شخصية أو أى فرع من فروع الأدب. 
 
وكان توفيق الحكيم برواياته ومسرحياته وكتاباته التى أثرت الثقافة المصرية والعربية بل والعالمية أيضا، وعلى ما كان عليه من تعمق فى الفكر والسياسة واللغة إلا أنه لم يتلفظ بلفظ خارج محاولا تبرير أى  سياسات لحكومة عصره التى كانت تعيش فى ظروف إلى حد ما متقاربة مع زمننا هذا، ولم يذكر أنه انشغل عن أدبه ودوره المجتمعى كمفكر وكاتب مثقف فى أن يتقرب من الحاكم.. بل أن الحاكم نفسه حاول أن يتقرب منه وطلب مقابلته لكن الحكيم كان أذكى من أن يفعل ذلك، ورفض أن يقابل الزعيم جمال عبد الناصر على اعتبار أنه رجلا سياسى لا لشخصه، وهذا  ما ذكره الحكيم فى عودة وعيه.
 
هذان الرجلان وغيرهم الكثير، نظروا إلى المجتمع على أنه حالة فردية ..عرفوا جيداً ما المطلوب منهم تجاه أمتهم وشغلوا أنفسهم به.. فملئت عليهم أنفسهم.
 
ولا نستثنى الشاعر الإنجليزى العظيم "جون ملتون" الذى انصرف عن الشعر والأدب بعد الثورة الإنجليزية نحو أعواما مديدة وانشغاله مع "كاروميل" زعيم الثورة آنذاك بمناقشة الخصوم ووضع الرسائل هو أبسط على ذلك مثال.
 
الأدب فى لبابه هو توثيق وتجسيد لحياة الشعوب بحلوها ومرها - تصويراً أدبياً لأزمات المجتمع ومحاولة تقديم الحلول من وجهة نظر الكاتب -  ورسالة الأديب فى جوهرها.. هى الصدق المبنى على الحرية، والبعد كل البعد عن السلطوية.. لأن الحاكم مهما ترك من مساحة لحرية الرأى والإبداع فإنه لا يريد من الكاتب تفكيره الحر، وإنما يريد تفكيره الموالى، يريد أن يسمع منه تأييدا لا اعتراضا، والكاتب قد يخطئ ويخدع دون وعى.. ولكنه أبدا لن يخون رسالته عن وعى.. أما إذا كان غير ذلك فلا ينتظر منه رسالة حياة أو صوت ضمير. 
 
 
ما نراه الآن على شاشات التلفاز عيناً جهاراً هو بالمعنى البلدى "قلة أدب" من أشخاص لم يتذوقوا معنى الأدب فى حياتهم.
 
ما يفعله هؤلاء من محاولة أخذ الأضواء والأبواق الإعلامية وتسليط الكاميرات عليهم عن طريق ضرب الأعمدة الخرسانية فى بناية الأمة، ليس هو إلا عبثاً فى أساس البناية التى تتكئ وترتكز عليها الأمة، ولن ينتج عنه أى فائدة سوى سقوط سقف البناية على من يعبث بهذه الأعمدة. 
 
أفيقوا يرحمكم الله، فليس لدينا إلا عمرو بن العاص واحد وليس لدينا إلا صلاح الدين واحد ومسجداً أقصى واحد.. وأحمد عرابى واحد. 
وحظوظنا من هؤلاء قليلة جداً إلى حد أننا لم نستطع أن نرتفع ببنايتنا المتآكلة لتواكب البنايات وناطاحات السحاب الأخرى.. لقلة الأعمدة.
 
وما علينا فعله هو الترميم والإضافة لا الهدم والإزالة.. فالتقدم فى بلاد الحضارة ليس معناه أن نزيل حجراً لنوضع مكانه حجراً آخر.. بل أيضاً معناه أن نرمم ونضيف، لتبقى بناية الأمة محتفظة بعبق تاريخها المجيد..وفى نفس الوقت متغيرة ملائمة مواكبة للتطور الحديث.
 
إنا نخشى أن تحجب القرابة أو العاطفة رسالة المفكر الحقيقية وتبعده عن مضمونها أو عن رؤية الحقيقة.. وينبغى على القارئ والمشاهد والمستمع أن يكون عقله يقظ وعينه نصف رأسه.. فنحن فى زمن اختلطت فيه الشبهات وتكاثرت فيه الهتافات حتى أننا اصبحنا نسمع الشعار.. ويعمل بنقيضه خلف الستار.   









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة