المان بوكر.. كيف سيطرت أمريكا على الجائزة للمرة الثانية على التوالى؟

السبت، 21 أكتوبر 2017 11:16 ص
المان بوكر.. كيف سيطرت أمريكا على الجائزة للمرة الثانية على التوالى؟  جورج سوندرز ولجنة المان بوكر
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بقدر ما يشكل فوز الأمريكيين بجائزة مان بوكر للعام الثانى على التوالى مجدا للأدب الأمريكى المعاصر بقدر مايثير قلقا ومخاوف فى أوساط أدبية بريطانية مما يوصف "بأمركة الجائزة التى تعد الأهم للأدب المكتوب بالإنجليزية" غير أن ثمة مأزق يواجه هذه "الأوساط والأصوات القلقة والمتخوفة من أمركة الجائزة".
فبفوز جورج ساندرز مؤخرا بجائزة مان بوكر لعام 2017 عن روايته "لينكولن فى باردو" يكون ثانى أديب أمريكى يقتنص هذه الجائزة الأدبية الهامة للعام الثانى على التوالى بعد أن نالها فى العام الماضى الأمريكى بول بيتى.
ومن عام 2014 أضحى الطريق لهذه الجائزة ممهدا أمام الأمريكيين بعد تغيير قواعدها وخروجها عن "نطاق بريطانيا ودول الكمنولث" بما يسمح بمنحها لأى أديب يكتب أصلا بالإنجليزية وتنشر إبداعاته بهذه اللغة فى المملكة المتحدة .
وحسب ما أعلنته مؤسسة جائزة بوكر فى هذا السياق المتعلق بتغيير قواعد منح جائزة المان بوكر فإن المؤسسة بذلك "تعانق اللغة الإنجليزية وهى تتدفق عفية بحرية مفصحة عن مواهبها وحيويتها ومجدها أينما كان"، معتبرة أنها بتلك التعديلات قد "أسقطت قيود الجغرافيا والحدود".
ونظرة على الروايات الست التى وصلت هذا العام للقائمة القصيرة لجائزة مان بوكر تكشف فورا عن حضور أدبى أمريكى كثيف بلغ نصف مجموع عدد المرشحين للتتويج بالجائزة المفتوحة أصلا أمام عدد كبير من المنتمين لجنسيات مختلفة وهو حضور تسبب فى تأجيج القلق والمخاوف بشأن مايسمى "بأمركة الجائزة الأدبية الكبرى".
فإلى جانب رواية "لينكولن فى باردو" للأمريكى جورج ساندرز ضمت القائمة القصيرة لمان بوكر رواية "3421" للأمريكى بول اوستر و"تاريخ الذئاب" للأمريكية اميلى فريدلوند مقابل عملين لكاتبتين من بريطانيا هما رواية "الخريف" للكاتبة البريطانية الى سميث ورواية "المت" للبريطانية فيونا موزلي، فضلا عن رواية "الخروج غربا" للكاتب الباكستانى الأصل محسن حميد.
غير أن من ينتقد هذا "الغزو الثقافى الأمريكى لجائزة مان بوكر" قد يجد نفسه فى موقف لايحسد عليه لأن الرواية المتوجة بالجائزة هذا العام هى بالفعل عمل أدبى رفيع المستوى ونالت إعجاب وإشادة العديد من النقاد متفقين بذلك مع تقييم لجنة التحكيم ونظرتها لرواية "لينكولن فى باردو" باعتبارها عملا مبدعا تماما ومؤثرا للغاية.
ولعل الأمريكى جورج ساندرز رد ضمنا على هؤلاء الذين يعتريهم الخوف أو يثيروا مخاوف الآخرين بشأن مايوصف "بأمركة جائزة مان بوكر" عندما قال، فى كلمته بالعاصمة البريطانية لندن بعد الإعلان عن فوزه بالجائزة،"إننا نسمع فى الولايات المتحدة الآن كثيرا عن الحاجة لحماية الثقافة..حسنا هذه الليلة هى الثقافة.أنها ثقافة عالمية وثقافة تتسم بالرأفة".
والقيمة المادية لجائزة المان بوكر لاتزيد على 50 ألف جنيه استرليني، لكن القيمة المعنوية لهذه الجائزة كبيرة ومهمة للغاية بما ماتنطوى عليه من شهرة لصاحبها ومبيعات عالية لروايته الفائزة بل أنها تكون أحيانا "الباب الملكى نحو أم الجوائز الأدبية العالمية" آلا وهى جائزة نوبل. 
وأشادت جوستين جوردان المحررة الأدبية المرموقة فى جريدة الجارديان البريطانية بهذا "الكاتب الأمريكى ونزعته التجريبية الجريئة فى روايته المتوجة بجائزة مان بوكر"، مؤكدة على أنها رواية جديرة بأهم جائزة للأدب المكتوب بالإنجليزية هذا العام وأن سلمت بأن فوز ثانى كاتب أمريكى بالجائزة وللعام الثانى على التوالى "سيمنح فرصة لجوقة الندابين الذين يتباكون ويتصايحون حول الهيمنة الأمريكية على جائزة مان بوكر". 
ورواية "لينكولن فى باردو" الفائزة بجائزة مان بوكر هذا العام تتناول فقد أحد أشهر الرؤساء فى تاريخ الولايات المتحدة وهو الرئيس الأمريكى الراحل إبراهام لينكولن لابنه الصغير "ويلي" الذى دفنه فى مقبرة واشنطن وتدور أحداثها المحورية عام 1862 أى بعد عام واحد على اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية وتمزج مابين التاريخ والإبداع الأدبي.
ويتصدى جورج ساندرز بحس أدبى عال لصياغة شخصية إبراهام لينكولن بعد فاجعة فقد ابنه الصغير ومواراته الثرى فيما استخدم تقنيات الحوار والمناجاة والمونولوج الداخلى وتكتيكات السيناريو والاسترجاع لاستعادة سيرة كل من الابن الراحل والأب المكلوم. 
وإذا كان الكاتب الأمريكى بول بيتى قد توج فى العام الماضى بأهم جائزة أدبية للإبداع المكتوب بالإنجليزية وهى جائزة "مان بوكر" بروايته "الخيانة" التى تتجلى فيها قدرة "التوليد الصادم للصور عبر مضمون إبداعى يجمع مابين السرد والطرح والشعر فإن مواطنه جورج ساندرز البالغ من العمر 58 عاما والمتوج بالجائزة هذا العام والذى يرى"أننا نعيش فى عالم غريب" جاءت روايته حافلة بالتآملات الشجية فى رحلة المسير والمصير الإنسانى وهى رحلة قصيرة للإنسان فى الحياة الدنيا ناهيك عن الموت المبكر والذى يأتى قبل الآوان لأطفال مثل ابن ابراهام لينكولن .
واعتبر ساندرز بعد فوزه بجائزة مان بوكر أن السؤال الرئيسى فى عالم اليوم يتعلق بطبيعة استجابة المجتمع للأحداث والوقائع المخيفة وما إذا كانت هذه الاستجابة تتسم بالعنف والإقصاء أم أنها تتحلى بالحب، فيما سعى فى روايته المتوجة بالجائزة لتقديم الرئيس الأمريكى الراحل إبراهام لينكولن الذى ولد عام 1809 وقضى عام 1865 "كرجل يتطهر وهو يكابد رحيل ابنه الطفل الذى لايزيد عمره على 11 عاما" .
وفيما وصف بول بيتى المتوج بجائزة العام الماضى بأنه "مبدع لايشبه إلا نفسه"وإبداعه يشحن شيئا ما فى القاريء" فإن لجنة التحكيم لجائزة مان بوكر هذا العام والتى ترأستها الكاتبة وعضوة مجلس اللوردات لولا يونج وصفت رواية "لينكولن ان ذا باردو" لجورج ساندرز بأنها "عمل أصيل يحرك المشاعر بعمق".
وواقع الحال أن جورج ساندرز الذى ولد فى تكساس ويعيش فى نيويورك عرف فى "الغرب الثقافى وخاصة فى الولايات المتحدة وبريطانيا" ككاتب قصة قصيرة على مدى عقدين وهو صاحب 6 مجموعات قصصية، غير أنه لم يكتب روايات طويلة قبل هذه الرواية التى راودته على مدى 20 عاما قبل أن يبدأ فى كتابتها لتتناول حياة الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة بعد فاجعة فقد ابنه الصغير ولتصفها رئيسة لجنة التحكيم لجائزة مان بوكر بأنها "قطعة أدبية مصقولة بصورة فريدة".
ورأت جوستين جوردان المحررة الأدبية فى جريدة الجارديان أن رواية جورج ساندرز "جاءت فاتنة وطريفة ومحركة للمشاعر بعمق مثل قصصه القصيرة وأن أتاحت الرواية بنسيجها الثرى وبحكم طبيعتها التى تتجاوز بكثير حجم القصة القصيرة حيزا أكبر يمارس فيه المؤلف نزعة التجريب فى الشكل وتطوير المضمون والشخصيات وتعميق رحلة البحث عن الهوية". 
وبدأ أسلوب جورج ساندرز ككاتب للقصة القصيرة واضحا فى روايته "لينكولن فى باردو" وأن جمعت الرواية مابين اللغة الموحية واللغة التقريرية، كما جمعت ما بين مشاهد تنتمى للتراجيديا وأخرى ساخرة وتنتمى للكوميديا.
ولئن سلمت لجنة التحكيم لجائزة مان بوكر بأن الرواية المتوجة هذا العام بالجائزة لاتخلو من صعوبات تجابه القاريء وخاصة فى المستهل والبدايات فإن كلمة "باردو" الواردة فى عنوان الرواية مستمدة فى الواقع من المصطلحات والطقوس البوذية لرهبان التبت وتعنى "مثوى الأرواح فى البرزخ الواقع مابين الحياة والموت".
وفى العام الماضى اعتبر الأمريكى بول بيتى أن عمله الأدبى الفائز بالجائزة الكبرى للأدب المكتوب بالإنجليزية يصعب تصنيفه فى خانة بعينها ليشير بذلك لحقيقة باتت واضحة لكل ذى عينين فى المشهد الأدبى العالمى آلا وهى أن مسألة التصنيفات الصارمة قد ولى زمانها بعد أن تداخلت الأنواع وتشابكت ما بين نثر وشعر وغناء وأصوات متعددة.
أما فى هذا العام فقد رأى أعضاء لجنة تحكيم جائزة مان بوكر ومعهم العديد من النقاد فى الصحافة الثقافية الغربية أن الصعوبات التى قد تجابه قاريء رواية الأمريكى جورج ساندرز "الذى بدا وكأنه يتحدى من يبدأ فى قراءة الرواية أن يستكملها" هى جزء من "تفرد لينكولن فى باردو".
وبعد الإعلان عن فوزه بجائزة مان بوكر توجه جورج ساندرز الذى عرف العمل بالصحافة بالحديث لأعضاء لجنة التحكيم والحضور فى احتفالية تتويجه بالجائزة قائلا "إنها غرفة مليئة بمن يؤمنون بالغموض والجمال من خلال الكلمة ويحاولون أن يروا وجهة نظر الشخص الآخر حتى حينما يكون ذلك أمرا صعبا".
وتحدثت رئيسة لجنة تحكيم جائزة مان بوكر البارونة لولا يونج عن "شكل الرواية الذى يضم أصوات الأرواح فى المقبرة ليكشف عن سرد ذكى وعميق ومؤثر للغاية"، كما وردت إشارات حول "السيناريو السياسى فى رواية لينكولن فى باردو" وهى رواية بحكم زمنها مشحونة بأجواء الحرب الأهلية الأمريكية والقتلى والأشباح والأرواح الهائمة فيما تمزج مابين "المآساة الشخصية والمآساة العامة للمجتمع الأمريكى آنذاك".
وفى ملاحظة ذكية تقول جوستين جوردان إنه إذا كان المجتمع الأمريكى يعانى حاليا من انقسامات فإن الكاتب جورج ساندرز يعود فى عمله الأدبى المتوج بجائزة مان بوكر للحظة مبكرة من لحظات الانقسام الأمريكي.
وأضافت، فى جريدة الجارديان،"حول هذه المآساة الشخصية للرئيس إبراهام لينكولن الذى مات ابنه الصغير بمرض التيفوئيد وهى مآساة اقترنت باحتراب بين الأمريكيين شيد جورج ساندرز روايته الفاتنة والمفعمة بالفانتازيا والميتافيزيقا. 
ويبدو أن اختيار هذا الكاتب المؤمن "بأهمية التواصل الوجدانى العميق بين البشر "ليكون ثانى أمريكى يفوز بجائزة مان بوكر للعام الثانى على التوالى يبرهن بالفعل على رؤية صائبة لمؤسسة جائزة بوكر عندما أعلنت قبل نحو 3 أعوام عن تغيير قواعد منح جائزة المان بوكر "لتتدفق اللغة الإنجليزية عفية بحرية ومفصحة عن مواهبها وحيويتها ومجدها".
وفى المقابل يبدو أن من تحدثوا عن مخاطر "أمركة جائزة مان بوكر" لن يجدوا هذا العام على الأقل مايمكن أن ينالوا به من منح الجائزة لأمريكى حتى لو كانت الجائزة قد ذهبت للأمريكيين للعام الثانى على التوالي.. فأصالة الإبداع سترد بقوة على هؤلاء القلقين والمتخوفين من "الأمركة"..أنها الكلمة عندما تتوهج وتتحول إلى بريق يشمل العالم كله وتتحول إلى وردة فى حديقة الإبداع الإنسانى!. 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة