تتصادم الاكتشافات العلمية حول "الساعة البيولوجية" مع ما ذهب إليه الشاعر عمر الخيام فى رباعياته الشهيرة فى ثقافة الشرق، حول عدم أهمية النوم.
فالشاعر عمر الخيام الذى ولد فى نيسابور بإيران عام 1048 وقضى عام 1131 قال فى رباعياته التى ترجمت غير مرة من الفارسية للعربية: "فما أطال النوم عمرا ولا قصر فى الأعمار طول السهر"، غير أن ثلاثة علماء أمريكيين فازوا عام 2017 بجائزة نوبل فى الطب تثبت جهودهم العلمية أهمية النوم وتطعن بشدة فى صدقية الشاعر لتؤشر للهوة الواسعة بين خيال وتهاويم الشعراء ودراسات وأبحاث العلماء.
وقضايا النوم كثيرا ما ترتبط بطقوس الكتابة والإبداع عند الأدباء و للشاعر السورى الراحل نزار قبانى مقولة طريفة جاء فيها :"لا أحتاج إلى أكثر من سرير انفرادى كتلك الأسرة المستعملة فى المستشفيات لأكتب قصيدتى ولو أننى نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر أو لويس السادس عشر لطار النوم من عينى وطارت القصيدة"!.
و"الأرق" من منظور ثقافى وأدبى محور كتاب أمريكى جديد صدر بعنوان: "ليال جامحة" يتناول فيه المؤلف بنجامين رايس تاريخ النوم وانعكاسات الأرق على العالم ليكون هذا الكتاب لمؤلفه البروفيسور فى جامعة ايمورى إضافة جديدة لما يعرف فى الغرب "بثقافة النوم".
وفى هذا الكتاب سيجد القارئ الكثير حول تغير مفاهيم النوم عبر مسيرة الزمان وتصاعد الحديث حول "قلة النوم والأرق" فى كتابات مثقفين بالغرب خلال القرن التاسع عشر ليرتبط الأرق بالثورة الصناعية المتعاظمة حينئذ بكل ما أفضت له من تغيرات عميقة فى بنية المجتمع ومدركات الفرد.
ولأن اشتكى بعض الكتاب والأدباء سواء فى الغرب أو الشرق بشدة من الأرق مثل الفيلسوف والمؤرخ الأمريكى هنرى دافيد ثورو الذى عاش فى القرن التاسع عشر والكاتب المصرى الراحل انيس منصور الذى قضى منذ نحو ستة أعوام فإن "الساعة البيولوجية" كمصطلح ذاع وبات يتردد على الألسن منذ الإعلان عن جائزة نوبل للطب هذا العام مرتبطة بصورة وثيقة "بأنماط النوم" كما أن هذه "الساعة الداخلية" تؤثر على السلوك والمزاج العام للكائن الإنسانى وغيره من الكائنات الحية.
وكان العلماء الثلاثة جيفرى هول ومايكل روسباش ومايكل يونج قد تمكنوا من "عزل الجين المتحكم فى الساعة البيولوجية" ووصفوا طريقة عمله بدقة ضمن حلقات المنظومة التى تتألف منها وقائع هذه "الساعة المعجزة" فيما نوهت لجنة جائزة نوبل بأن نتائج الأبحاث التى عكف عليها هؤلاء العلماء لها تأثيرات كبيرة على صحتنا ورفاهيتنا".
واوضحت مؤسسة نوبل انها منحت جائزة الطب ووظائف الأعضاء هذا العام للعلماء الثلاثة "لاكتشافهم الآليات الجزئية المسيطرة على ايقاع الساعة البيولوجية" وهو اكتشاف يشكل فتحا علميا بقدر ما يكشف عن "اهمية المزامنة بين الساعة البيولوجية للكائن الحى وإيقاع ودوران الكوكب الأرضي".
والعلماء الأمريكيون الثلاثة الذين اجروا ابحاثهم على "ذباب الفاكهة" هم أول من اوضح بدقة متناهية كيف تعمل الساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان وكل الكائنات المنتمية لمملكة الحيوان حسبما ذكر البروفيسور راسل فوستر الخبير المتخصص فى "الساعة البيولوجية" بجامعة اكسفورد.
وساعة الجسم أو "الساعة البيولوجية" هى السبب الذى يدفعنا للنوم فى الليل وتؤثر على المزاج العام للكائن الإنسانى ومستويات الهرمونات ودرجة حرارة الجسم والتمثيل الغذائى كما تساعد الإنسان فى التكيف مع حركة الأرض وساعات الليل والنهار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة