د. سامى عمار يكتب: العبودية فى ثوبها الجديد

الخميس، 12 أكتوبر 2017 10:00 م
د. سامى عمار يكتب: العبودية فى ثوبها الجديد تجارة الاعضاء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

عبيد وأحرار، كلمتان سيطرا على وجدان أغلب المجتمعات البشرية شرقاً وغرباً دون استثناء لقرون طويلة، ورغم اختلاف معيار تصنيف العبيد، إلا أن اللون الأسود قد حصل على نصيب الأسد من تلك المعايير ليصبح أصحاب البشرة السوداء هم أكثر ضحايا جريمة العبودية.

هى ظاهرة ليست جديدة، فالطرف المنتصر دائماً كان يحمل غنائمه مالاً وسلاحاً وبشراً دون التقيد بقوانين وأعراف، ويعتبر القرن السابع عشر أكبر شاهد على زروة مأساة السود الذين تم أسرهم ونقلهم قسرياً من الساحل الغربى لأفريقيا إلى العالم الجديد أنذلك للعمل الجبرى فى مزارع قصب السكر والقطن بشكل أساسي، ولثلاثة قرون تقريباً من استعباد ملايين الأفارقة شهدوا مآسى دموية لا تحصى فى العالم الغربى جردتهم من آدميتهم.

ولا يمكن نسيان النظريات والأطروحات الفكرية المريضة التى تراكمت فى أوروبا بمرحلة ما بعد النهضة والتى تم اقحام نصوص دينية بها لتبرر تلك العبودية حيث روجت لصورة السود كقردة ناطقة.

وعلى الرغم من مرور عقود طويلة منذ اقتناع الدول بضرورة القضاء على العبودية التقليدية التى حولت السود لطبقة أدنى من البشر وخاصة بالولايات المتحدة، إلا أن العالم بالنصف الثانى من القرن الماضى استيقظ على جيل جديد من العبودية.

فى ثوب جديد.. انتقل مفهوم العبودية من المعنى التقليدى الذى قسم البشر وفق اللون بين الأبيض والأسود إلى معنى جديد يتجاوز تلك النقطة ليحول الإنسان بصرف النظر عن دينه ولون جلده إلى أداة استغلال مربحة لتجار البشر.

إنها مأساة الإتجار بالبشر، ففى سبتمبر 2017 رصدت منظمة العمل الدولية عدداً مخيفاً مِن مَن يتم الاتجار بهم فى العالم يصل لـ 24.9 مليون ضحية، 16 مليون منهم تم استغلالهم فى السُخرة و4.8 مليون تم استغلالهم فى الدعارة، هذا وتدر تلك التجارة أرباحاً سنوية تقدر بنحو 150 مليار دولار سنوياً وفق تقرير المنظمة الصادر عام 2014 .

 

لذا ببساطة انقسم عالمنا بين غنى وفقير ومسافة شاسعة بينهما يطمح الفقراء يومياً لقطعها من أجل حياة كريمة مادياً لا توفرها لهم بلدانهم الفقيرة.

وعلى ضفتى البحر المتوسط، مما يزيد الصورة قتامة، نشاهد يومياً حادثة غرق تعصف بحياة عشرات الشباب الفقير الذى يتم التغرير به وتهريبه من أجل السفر بشكل غير شرعى صوب سواحل إيطاليا واسبانيا واليونان ليجرده من كافة حقوقه، فهو يشكل أحد أوجه الثياب الجديدة للعبودية.

وبجوار الاتجار بأحلام الشباب بجنوب المتوسط، تأتى صور أخرى أبشع للعبودية الجديدة لتشمل الاتجار بالأعضاء البشرية ليتحول جسد الإنسان لـ (بيزنس) يدر أرباح، ففى مقالة نشرتها وكالة رويترز فى 26 مارس عام 2015 تبين أن تجارة الأعضاء فى السوق السوداء تحقق أرباحاً تقدر بنحو 1.2 مليار دولار سنوياً فى 10 آلاف سوق غير قانونى وهو رقم مخيف فعلياً، ففى أوروبا وحدها يوجد 68 ألف مريض أوروبى على قائمة الانتظار لزراعة كبد عام 2012 وفق رويترز.

وفى بلدان العالم المتقدم، تتجلى صور جديدة للعبودية فى الاستغلال الجنسي، حيث يتم اجبار العديد من الفتيات الفقراء على الانتقال من البلدان الفقيرة تحت مظلة قانونية مثل "اللجوء" وينتهى بهم المطاف فى العمل ببيوت الدعارة.

نعم أصبح ثمن الانسان بخس ولا يتعدى بضعة أوراق نقدية تزدحم بها الحسابات البنكية للملياديرات، وبين الحين والأخر تطفوا على السطح أسماء كبار رجال الأعمال المتورطين فى جرائم الاتجار بالبشر أو بالأحرى العبودية لتتصدر المشهد الإعلامى لفترة وجيزة لكن سرعان ما تتبدد لينسى العالم تلك الكارثة المستوطنة.

وفى مفترق الطرق، تأتى أزمات منطقة الشرق الأوسط العاصفة بأممها وليتحول ضحايا الحرب فى سوريا والعراق ودارفور لمصدر ربح لتجارة البشر وخاصة تجارة الأعضاء، ففى ظل انكماش سيادة وسيطرة الحكومة المركزية فى العواصم كدمشق وبغداد، تتوفر الأرضية المثالية لإنعدام الحماية والأمان للمواطنين العزل من السلاح ليصبحوا عرضه للاستغلال بكل صوره وبلا حدود.

 

بل ويولد الدافع القوى لدى أبناء تلك البلدان للنزوح والهروب من أماكن الاقتتال والصراع إلى أماكن أخرى أكثر أمناً، ولا ننسى أبداً المشهد المأساوى لعشرات الألاف من اللاجئين السوريين عام 2015 عندما هربوا ركضاً على الأقدام من مخيمات اللاجئين بالمجر نحو الحدود النمساوية والألمانية ذات سياسة الباب المفتوح أملاً فى حياة أفضل إقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

ففى مؤتمر صحفى عقب ذلك المشهد فى سبتمبر عام 2015، عقد فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجرى مؤتمراً صحفياً لم يذكر فيه الكثير سوى (لا أحد يريد البقاء هنا.. الجميع يريد الرحيل إلى ألمانيا) مما أثار جدلاً حول حق اللاجئ فى حياة مرفهة اقتصادية.

والغريب فى الأمر، بين الحين والأخر، تعلن الحكومات والمنظمات الراعية لحقوق الانسان فى الدول المطلة على ضفاف البحر المتوسط عن مشاريع وخطط لمجابهة العبودية الجديدة (الاتجار بالبشر، والاتجار بالأعضاء، وغيرها)، إلا أن تلك المشاريع لم تؤتِ ثمارها بعد بسبب غياب التنسيق المثمر بين الطرفين وتحفظ بعض الأجهزة الأمنية بدول جنوب المتوسط على تلك المشاريع باعتبارها مسألة وطنية بحته علاوة على تركيز تلك المشاريع على بعد تثقيفى بمخاطر الهجرة غير الشرعية دون التطرق لجوهر المشكلة المتمثل فى الظروف الاقتصادية المتأزمة والتى تمثل الحافز الأول والأهم خلف النزوح من الجنوب إلى الشمال.

هل ستشهد العبودية فى ثوبها الجديد تصعيداً إلى مستوى أعلى كما حدث مع السود بالقرون الماضية؟

مجرد سؤال اليوم قد يفرض غداً انتكاسة للإنسانية جمعاء.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة