أحمد إبراهيم الشريف

عبدالرحمن مقلد.. يغنى للمساكين شعراً

الأربعاء، 04 يناير 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحن فى زمنٍ القابض فيه على نص جيد مثل القابض على جمرة، والقادر على كتابة الشعر الجميل هو بالطبع مبدع حقيقى ورجل مفتون بالحياة، والفتنة تعنى الوصول للجوهر، والجوهر يعنى أن القصيدة هى ماء الوجود، وأن المساكين هم الذين يمنحونها رونقها، وأن عبدالرحمن مقلد فى ديوانه الثانى الصادر عن هيئة قصور الثقافة هو ناصر مساكين الشعر.
 
«العبقرى زميل الدراسة جن/ لأن أخاه اختفى فى المياه/ ولم يستطع أن يمد يديه له/حزمة القش لم يحتمل ثقلها جدنا/ فأصيب بغيبوبة لم يفق منها بعد/ حبيبة حوذى قريتنا غادرته/ فمال على بغله وبكى» جاء الشعر عند عبدالرحمن مقلد متمثلا فى 18 قصيدة، ارتضاها أن تمثل تجربة «مساكين يعملون فى البحر» وجعل موضوعها الإنسان، وموسيقاها أفعاله وتصرفاته ورغبته فى الحياة أو رفضه لها، بينما فلسفتها «الغناء للبسطاء والصيادين وأبناء القطارات الخربة والمحبين والزاهدين والطامعين فى الحب والراغبين فى سلامة القلب المتخففين من درن الأيام».
 
«وأحزن حين يموت من الاختناق/ مريضو التنفس/ أنحب حين يودع خمسون طفلا/ حقائبهم تحت هذا القطار» عبدالرحمن مقلد لا يكتب الشعر فقط، بل يعيشه، بعيدا عن ذاتية قصيدة «نوار يضىء ويختفى» هو بالضبط ابن «يعملون فى البحر» هو كاره الحرب الذى يسرب فلسفته طوال الوقت، دون ضجيج أو ادعاء.
«هناك على محمل الجد/ كانت ملائكة تترقب أعيننا/ بينما تتسلى القرود/ بملء مسامعنا بالضجيج» عبدالرحمن مقلد يعرف أن الشعر لن يمنحه سره إلا بعد أن يختبر نقاء قلبه، لذا صفى هو قلبه من كل شىء إلا من المحبة، فوهبه الله رؤية الجميل فى الأشياء وأغفل عنه الانشغال بخبائث الأمور وعرفه دقائق الكتابة وأسرارها، وألقى محبته فى قلب القصيدة، ومن أحبته القصيدة فتحت عليه أبواب الكلمات الخالدة.
 
«غير أنهم ذات ليل/ نسوا عند منحدر وتلال/ عواطفهم/ فأغارت عليها الهوام/ وضلوا» شعر عبدالرحمن مقلد تكريس لمشاعر إنسانية راحت تتفلت من يد الجميع، لكنه يترصد بها ويبعث فيها ذاكرتها التى ثقبتها الحداثة، يراهن على أن الإنسان فى أصله كائن بسيط لوثته الحاجات وأثقلته الهموم، فتحول من كائن خفيف إلى كارثة لا حل لها، يكشف مقلد كل ذلك عندما يدفعك لقراءة قصيدة مثل «وصايا فاتن حمامة».
 
يظل الشعر سيد القول، مادام هناك شعراء بقيمة عبدالرحمن مقلد، يعرفون أن التداعى لا يبنى قصيدة حقيقية، وأن التصنع لا يقدم روحا خالدة، لكن الموهبة والإدراك وقنص اللحظة المناسبة والحالة الواجبة هو من يصنع النصوص العظيمة «فى الحقيقة/ لم نكترث للملوك/ ولا للعبيد/ ونعمل فى البحر/ منذ قديم».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة