عفاف عبد المعطى تكتب: بيت السنارى

الثلاثاء، 31 يناير 2017 05:00 ص
عفاف عبد المعطى تكتب: بيت السنارى عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقدم الرواية التاريخية أحداثًا كبرى حسبما اتفق القوم على اعتبارها مفاصل أساسية فى مسار الأمم والدول، مع اعتبار التوغل فى الماضى ومد جذوره حتى الحاضر، ومن هنا فعلاقة الرواية التى تتناول التاريخ من منظور العصر الحاضر علاقة تواصل، لذلك يعدّ الروائى هو مؤرخ الحاضر كما ذكر الأخوان جونكور، وقد كان لجورج لوكاتش الفضل الأكبر فى الكتابة التنظيرية عن الرواية التاريخية بعد أن عرَّف كاتب الرواية التاريخية بأنه لا يلتفت إلى الماضى إلا من خلال حاضره على الرغم من أن تصوير التاريخ أمر مستحيل على المرء ما لم يحدد صلته بالماضى ما لم يحدد صلته بالحاضر، إن الرواية التاريخية تنطلق من أحداث وذوات حقيقية مختلفة فى الغالب وتشكل جزءاً من تاريخنا وماضينا الممتد حتى اللحظة الراهنة.
 
من ذلك النوع من الروايات التى تمتح من معين التاريخ رواية الكاتب المهم عمار على حسن "بيت السنارى" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وبيت السنارى أثر قديم يقع فى حى السيدة زينب كما ذكر الجبرتى وهو بناء من نوعية القصور الضخمة التى لا تزال باقية من آثار المماليك تم بناؤه للصفوة بناه إبراهيم كتخده السنارى وأنفق عليه أموالا طائلة، وإبراهيم كتخدة السنارى عبد من أحراش السودان من قرية سنارة وهى جزء من مدينة دنقلة فى السودان ثم نزح مع الرقيق إلى مصر لكنه استطاع أن يتوغل مع المماليك وأتقن اللغة التركية تقربا للباب العالى ثم هادن المماليك الذين هم مصطفى بك ومراد بك حتى حصل على لقب كتخده وهو لقب لم يعط إلا لكبار المماليك بيض وشٌقر لذلك كان مستغربًا أن ينال هذا العبد الأسود تلك الحظوة، وإن كان يُسأل دائما من أين نال تلك المكانة المتجسدة فى لقب كتخده الذى لا يمنح سوى لأعيان المماليك البيض الشُقر والترك كذلك فماله وهو العبد الأسوأ وهذه المكانة وهو ما يدل على توغله بين المماليك على الرغم من رده الأثير "ولا سر ولا حاجة" ليتدخل الراوى بما علمه عنه "الرجل أفاق يسحر وينجم ويضرب الودع ويقرأ الكف ويزعم أنه يعرف الغيب وهذا جعل له مالا ومكانة".
 
تطالعنا الرواية بإبراهيم كتخده السنارى وهو فى بيته الفخم وحوله خدمه وتفاصيل حياته المترفة التى لا تنفك أن تنتهى بقدوم الحملة الفرنسية على مصر 1798 التى رحلت خائبة فى عام 1801 وهو الزمن الفعلى للنص، ومكان النص هو المحروسة "الفرنسيس على باب القاهرة والناس يتجمعون فى كل الساحات، بركة الفيل – قراميدان – الأزبكية – الرميلة وبيت القاضى، لقد استطاع النص وهو مما يمكن أن يطلق عليه من نوع الروايات الحوارية القائمة جميعها على الحوار لكنه الحوار المعلوماتى الفاعل الذى يقدم عبر ثناياه معلومات تغنى القارئ بقدر ما عن سرد الراوى وإن كان لسرد الراوى الكثير من الفنون الحكائية التى يتمثلها دالة على تفاصيل النص. 
 
إبراهيم كتخده السنارى ليس بطل النص بل هو محور النص الذى يبدأ منه وينتهى إليه الزمن القار بين البداية والنهاية الذى يصنع النص، كما أن الشخصيات القليلة التى تكاثف بها النص هى التى تدور فى فلك السنارى باستثناء شخصية زينة بطلة النص وأكثره فاعلية وحراك للشخصيات والأحداث، زينة جارية وخليلة ومزاج إبراهيم كتخده التى تشعر من خلال علاقتهما على مدار النص إنهما شقان لشىء مكتمل لا يصح وجود شق دون الآخر ولعلهما كذلك (زينة الجارية الجميلة وإبراهيم السنارى) نظرًا لما لهما من وشائج جامعة بينهما أهمها النشـأة الوضيعة – الفقر – اليُتم – الحاجة إلى الاحتواء وإن كانت زينة لديها الحاجة إلى ابراهيم السنارى أكثر لافتقادها لأبيها الذى قتله المماليك وزجوا بجثة فى المياه.
 
المنظور السردى الأساسى فى رواية بيت السنارى يرتبط بالعلاقة بين السرد والحكاية أو بين الحكاية والطريقة التى تحكى بها، فالحكاية فى الأساس وصف للاستعمار الذى حاق بمصر من الباب العالى بالاسيتانة وحسب مصالح الأتراك، ومن داخل هذا الاستعمار استعمار آخر خاص بالمماليك فى مصر الذين ينهبون ثروات البلاد بحجة حماية المصريين الذين ولدوا رعايا وعاشوا رعايا عاجزين عن حماية أنفسهم لذلك يحصلون من المصريين على فِردة واجبة السداد، ثم الاستعمار الفرنسى الذى أتى إلى مصر بحجة تقديم التقدم العلمى وصادر بيت السنارى لجعله مَجمعا علميا لدراسة حال البلاد لكنه قناع للاحتلال الذى ظل ثلاثة سنوات لولا سوء تدابير الفرنسيين وقتالهم مع المماليك وإشعال الدولة العثمانية التناحر بينهما حتى تكسب هى بقاءها فى نهب ثروات المحروسة، ولقد كان للمماليك من الخضوع ما يعزز ذلك وهو ما قرره إبراهيم السنارى لحسن باشا القيطان الذى اغتال عددا من أمراء المماليك فى مذبحة صغيرة بأمر من الباب العالى: "نتمنى أن يكون حضرة السلطان على دراية بأن ولاءنا للباب العالى ليس له حدود، وأننا على استعداد تام لوضع رجالنا ومالنا وما نعرفه عن كل كبيرة وصغيرة ببر مصر فى خدمة الدولة العليا.
 
إذا كانت بنية الصراع هى القائمة الأساسية لهذا النص متمثلة فى الصراع الأكبر لجماعة من المستعمرين (الترك / المماليك / الفرنسيس) حسب لغة النص فإن هناك صراعا آخر هو الصراع على الأنثى زينة بطلة النص وخليلة وحبيبة إبراهيم السنارى المخلصة التى تستخدم رجلين عشقاها فى سبيل تأمين السنارى بعد هروبه من الفرنسيين بعد أن صادروا بيته (بيت السنارى) وكذلك لصراعه مع المماليك وكذلك مع الأتراك الذين يرغبون فى إبادته هو وبقايا أمراء المماليك، فتستخدم زينة الشاب المصرى حسن جعيدى الذى يكره السنارى لحبه لزينة ويكره المماليك لنهبهم ثروات مصر بحجة حماية المصريين، كذلك استخدام زينة للضابط الفرنسى دوبرييه الذى أحبها واعتبر أن وجودها عوضًا عن حبيبته إيلين التى افتقدها فى فرنسا لذلك ردد كثيرًا: "إذا كانت الحبيبة إيلين قد ضاعت مِنى فى فرنسا، فإن ايلين الحبيبة المصرية لن تضيع منى".
 
بقدر كبير استخدم النص تيمة المونولوج وهى مأخوذة من تقنيات المسرح وهو ما يعنى إيراد أفكار الشخصية إيرادا حرفيا مثلما تم تلفيظها فى ذهن الشخصية (مونولوج داخلى) وهو ما لا تستطيع الشخصية التعبير عنه سوى بداخلها فحسب ومنه ما يدور داخل حسن جعيدى من مشاعر متذبذبة تجاه المماليك وإن كان يميل إلى الكره ومن ثم حواره مع المملوك الذى يرى أن المصريين رعايا حقراء وأن المماليك يصدون عنهم اعتداء الفرنسيين، كذلك دوبرييه الضابط الفرنسى وتخليه عن صفته العسكرية وعدم رجوعه مع الحملة الفرنسية وبقائه فى مصر وانضمامه لصفوف الجنود الأتراك كى يبقى بجانب الحبيبة زينة (إيلين المصرية).
 
يمكن بدقة تطبيق منوال الفواعل أو الدوائر الفاعلة فى النص والتى تحدد المفاصل الأساسية المرتكز عليها وأهمها دوائر عمل الشخصيات، الدائرة الأولى دائرة المعتدى (المماليك /الترك/ الفرنسيون / الإنجليز) وكل يعمل على احتلال المحروسة حسب هواه ومصالحه، الدائرة الثانية دائرة الواهب التى يجسدها إبراهيم كتخده لأمراء المماليك وللدولة العثمانية وصدقات للمصريين فى يوم الصدقات الذى يحدده لهم أسبوعيا وكله من مال المصريين مما لا يملك، الدائرة الثالثة دائرة الأمير أو الشخص مناط السرد وتجسدها زينة خليلة إبراهيم السنارى وسط عشاقها إبراهيم كتخده السنارى وحسن جعيدى الشاب المصرى ودوبرييه الضابط الفرنسى، الدائرة الرابعة دائرة المساعد متجسدة فى الشعب المصرى الذى يساعد مُستعمِر وعدو أصغر هو المماليك ضد المستعمر الأكبر وهو الفرنسيين والإنجليز حسب مصالحهم وهو ما يمثل أكبر إدانة للمصريين الذين لم يكن منهم جيش من أبناء الشعب يذود عن الوطن اذى كل هؤلاء المستعمرين، هناك إدانة أخرى فى النص لرجل الدين الشيخ خضيرى شيخ الجامع أينما حلت مصلحته ارتكن، كان جاسوسا للأتراك على المماليك لمصلحته، وكان يهادن ويساعد إبراهيم كتخده لما ينال منه من عطايا .
 
انتهى نص بيت السنارى بقتل إبراهيم كتخدة السنارى هو وعدد من المماليك على يد حسن القطانى باشا فى الإسكندرية لكن السنارى ترك رسالة لحبيبته زينة كتبها الروائى عمار على حسن بلغه شديدة الوجع والتأثير يكشف فيها اعترافه بحقيقته كزرع شيطانى ونبت ضعيف ارتمى فى أحضان غيلان المماليك فما كان منه إلا أن يعيش بالتحايل والسحر والشعوذة بينهما وفى اعترافه الأخير (آن للجريح أن يستريح) أكبر دلالة على إدراكه لما يفعل وتظاهره بالقوة كى يعيش وسط غابة المماليك، فتهيم زينة على وجهها ويودعها نظرة آسفة لعشيقيها حسن جعيدى المواطن المصرى الخانج الذى لا يمتلك شيئًا لصد كم المستعمرين لبلده، ودوبرييه العاشق الفرنسى الذى لم يبق له سوى تعلقه بها بعد أن افتضح أمره ولاقى الكثير من الاحتقار من الجنود الفرنسيين .
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة