عفاف عبد المعطى تكتب: يهود الإسكندرية.. من مولد سيدى جون حتى جوهرة

الأحد، 30 أكتوبر 2016 06:27 م
عفاف عبد المعطى تكتب: يهود الإسكندرية.. من مولد سيدى جون حتى جوهرة الكاتبة عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ أكثر من ربع قرن يكتب ابن الإسكندرية العاشق لتفاصيلها الروائى مصطفى نصر عن الإسكندرية منذ رواية الهماميل وجبل ناعسة حتى روايته الصادرة مؤخرا "يهود الإسكندرية" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية فى طبعتها الرابعة، لا تؤرخ رواية يهود الإسكندرية بين ثناياها لوجود اليهود فقط، بل تكتب جزءًا من تاريخ أبرز الأماكن وأكثرها شعبية فى المدينة الساحلية (منطقة الطابية ) .

غلاف يهود
غلاف يهود الإسكندرية

تقع الرواية التى تسرد أكثر من قرن من الزمان فى ثلاثة أقسام وكان الأجدر أن تنقسم إلى ثلاث اصدرات فتكون ثلاثية منفصلة، الجزء الأول الإسكندرية ما بين أواخر عام 1862 وعنوانه باسم إحدى الشخصيات النسائية فيه وهى ملاذ والجزء الثانى الإسكندرية أواخر عام 1942 وعنوانه باسم إحدى شخصياته وهى وصال، ثم جوهرة أو الجزء الثالث الذى يحكى أوضاع اليهود متمثلا فى شخصية جوهرة  بعد يوليو 52، لذا فاض النص بالشخصيات والأحداث من سوق السمك حيث كان يسكن فقراء اليهود فى الاسكندرية حتى منطقة الطابية على أطراف المدينة بالقرب من رشيد حيث يتمركز الوصف المكانى .

 أما الشخصيات ففى الجزء الأول كلها منحصرة فى اليهود / الفقراء فى سوق السمك (جون وزوجته الهادية وولده هارون– بنيامين وزوجته ملاذ وأولادهما أهمهم رزق و ساهر – ومخلوف الرسام العدمى صديق جون الذى يعاشر ملاذ اليائسة من جشع زوجها بنيامين ومن ثم تنجب من مخلوف سفاحا طفلة صغيرة هى نظيرة (ستكون حفيدتها جوهرة هى محور الجزء الثالث المعبرة عن يهود العصر الحديث ما بعد كامب ديفيد 1978 ) – كذلك فرج سائق البك عامير وزوجته سرينة، أيضا فى الجزء الأول يظهر اليهود الأغنياء منهم سادة الإسكندرية مثل عامير بك الرجل النبيل زعيم طائفة اليهود فى الإسكندرية الذى يفكر فى أوضاع اليهود الفقراء أكثر مما يفكر فى مصالحه الشخصية، ثم دوف من أعيان اليهود لكنه يعيش فى القاهرة ويهمه تواجد اليهود ومصالحهم فى مصر، ثم زاكن أو شيطان النص الوجه الضد لجون (محور الجزء الأول الإسكندرية أواخر 1862) زاكن اليهودى الداعر القواد الذى بنى ثروته من كل فاحشة من تسهيل الدعارة حتى ممارستها مع كل امرأة تقع بين يديه ويكون ذلك سببا لنهايته .

يحتاج نص يهود الإسكندرية إلى التركيز نظرا لكم التفاصيل التى يقدمها الكاتب الكبير مصطفى نصر ففى الجزء الأول شخصية جون (المتدين القرائى الذى يقتضى بعنان بن داوود نصير فقراء اليهود )، الإنسان المُسالم الساذج الذى تذكرك حكايته بحكاية مصباح علاء الدين والشخص الذى وجده فلبّى علاء الدين له كل أحلامه لكن الفارق أن جون نتيجه لعيب ما فى انفه منعه من الشم (وهو عيب من ضمن عيوب يضعها عليه الراوى لتؤكد ضعفه الظاهر كانحناءة ظهره وتقوسه كناية عن الشكل التقليدى لليهودى القديم المغلوب على امره)، مما يجعله سببا فى مداواة الوالى سعيد والى مصر الذى عانى من تقرحات جلدية مما جعل كل من يقترب منه يفر من رائحته حتى طبيبه والكاتخدة اقرب الناس اليه . يأتى سادة اليهود بجون حلاق الصحة الفقير الساذج كى يعالج الوالى فيمنحه الوالى بعد نجاح العلاج أرضا شاسعة فى منطقة الطابية اواخر الاسكندرية قبل طريق رشيد .

تلك كانت الطامة الكبرى وكأن الارض كانت سببا اظهار طمع اليهود وتحالفهم معا ثم تأمرهم على بعض ومن ثم ينتصر الشر فتسمم الهادية (العاهرة المتنكرة التى ترافق الصبية الصغار كى تحيي جسدها الضامر ) زوجها جون لصالح المتامرين وهم الشاب رزق ابن بنيامين وملاذ رفيق الهادية وصديق ابنها هارون، وزاكن الغنى الداعر الذى يريد أن يستثمر الأرض فى الأعمال المنافية للآداب، وملاذ أم رزق عشيق الهادية التى تسهل لمؤامرة قتل جون من أجل أن ترفل فى النعيم مع عشيقها مخلوف صديق جون الذى يجن ويختل عقليا بعد أن اشترك فى المؤامرة ورحل جون بالفعل، ( مخلوف كان يبكى ويردد كلمات غريبة عن الرب الذى تخلى عن جون رغم حبه له ) (الرواية ص 223).

فى الجزء الأول من النص المعنون بـ "ملاذ" نجد صورة اليهود متجسدة فى المعاناة من الفقر متمثلا فى أهل سوق السمك، أو الثراء متمثلا فى السادة عامير زعيم طائفة اليهود فى الإسكندرية ودوف الثرى الذى يعيش فى القاهرة وكلاهما يسعى إلى رضا الوالى كى تستفيد الطائفة اليهودية فى مصر .

ينتهى الجزء الأول من النص بحدثين هم الأهم الأول رحيل جون الطيب وتحويل قبره إلى مقام له مولد ومن ثم يقام الاحتفال بمولد سيدى جون من 26 ديسمبر حتى 2 يناير، الحدث الثانى قتل زاكن على أيدى أحد شباب العزب المحيطة بعزبة جون (الأرض الواسعة التى منحه لها الوالى سعيد)، بعد أن يكتشف معاشرته لزوجة ابيه الشابة (زاكن مات، قتله فلاح شاب) (ص223) . وتلك من خفقات النص حيث تعجّل الكاتب برحيل  زاكن بعد أن دبر مؤامرة رحيل جون ووظف لذلك الشاب رزق كى يؤثر على الهادية فتقتل زوجها بالسم . فبقدر من الافتعال فى نهاية الجزء الاول قُتل جون (الطيب ) و قُتل زاكن (الداعر) ، ومات رزق الشاب ، وهام هارون على وجهه بعد ان أذاع بنيامين - ابن عم جون وعشيق امه الهادية الاول – بأنه ابنه ، وقُتلت ملاذ بيد ابنها ساهر لأنه تأكد من معاشرتها لمخلوف جارهم فى الحجرة وإنجاب ابنتها الصغيرة نظيرة سفاحا منه. هكذا انتهى الجزء الأول بنهايات متشابهة وكأن الكاتب اراد أن يتخلص من قدر كبير من الشخصيات التى فاض بها النص الأول (ملاذ) دون أن يكتب نهاية للهادية أو بنيامين أو مخلوف. ليطالعنا الجزء الثانى وعنوانه ( وصال ) بنظيرة ابنة مخلوف وملاذ ابنة السفاح وقد صارت جدة بعد أن تزوج ابنها منير العاجز جنسيا  من الفتاة وصال التى تعاشر هى الأخرى مظلوم الموظف اليهودى (امه مسيحية وأبوه يهوى نشأ وتربى وعمل فى مصر كنتيجة لتآلف الأديان وعدم أهميتها فى الزواج وكنوع من السخرية من قيود العصر الحديث) . مظلوم يعمل لدى حسن باشا بدوى المقرب من الملك فؤاد وصانع أكثر السياسات فى مصر لكن تشاء الإنجليز أن يتقاعد بدوى عن العمل السياسى (فعلها الإنجليز بى وأمروا بألا أمارس عملاً حكوميا أو سياسيا فى مصر أو خارجها) (ص265) بعد الضغط على الملك فؤاد لاقصاء حسن باشا بدوى الذى قرر أن يستفيد من الموقف (بايعاز من مظلوم الموظف اليهودى المقرب منه وذراعه الأيمن) بأخذ أراض من فؤاد والاتجاه إلى التجارة بانشاء مصنع للصلصة وآخر للألبان وثالث لتعليب اللحوم عليها ومن ثم يتحول من سياسى الى رجل اعمال الى ان تنتهى قائمته مع تأميم يوليو .

خبايا النص

ــــــــــــــــــــــــــ

 الميول السياسية الناصرية للكاتب مصطفى نصر ظهرت بشكل كبير فى نهاية الجزء الثانى فلم يذكر اى شئ عن زمن ناصر السياسى حتى التأميم الذى قضى على كثيرين واماتهم كمدا فقد مر عليه لمما . (الباشا الذى أمم عبد الناصر مصانعه ، وجعله يعود من شركته راكبا سيارة قديمة تستخدم فى نقل العاملين ، وحكى العمال فى اليوم التالى عما حدث للباشا داخل السيارة ، سخر منه بعض العمال وقال احدهم بصةت نسموع : راحت عليك ) (ص 433).

ظهرت أكثر النساء اليهوديات فى النص ممارسات للبغاء لكن بدرجات فـ (ملاذ) تمارس مع مخلوف من اجل الاحساس بالحب والآدمية التى افتقدتهما مع زوجها بنيامين ، وهى الوجه الآخر للهادية العاهرة زوجة جون التى اتخذته ستارا لمعاشرة الشباب الصغير .

فى الجزء الثانى (وصال ) نجد أن شخصية وصال شخصية لا تريد الخطأ (مثل ملاذ فى الجزء الاول فهى الصورة المماثلة لها فى الجزء الثانى) فهى تركيبة فنانة وصديقة للمطربة ليلى مراد اليهودية هى الأخرى والتى يساعدها والدها زكى مراد على دخول عالم الفن بينما تصير وصال زوجة لمنير الجشع الذى يجسد الصورة التقليدية لليهودى المحب للمال الجامع والمُسفُّ له الذى يعمل فى صناعة البمب والصواريخ التى يلتهى بها الاطفال ومن ثم حينما يصنع قنابل يطلبها منه انور السادات كى يحارب بها الفدائيين فتنتهى حياته وينتهى تواجد اليهود فى عزبة جون وتتحول بيوتهم الى خرابات للثعابين والفئران والعفاريت. نتيجة للعِنَّة التى يعانى منها زوجها منير تعاشر وصال مظلوم (الموظف الثرى) وتنجب منه سفاحا ابنتها جوهرة وتنسبها لمنير المتأكد هو وامه نظيرة (ابنة السفاح هى الاخرى ) انها ليست ابنته وكأن النص اراد ان يؤكد أن أساس توالد اليهود وتكاثرهم يأتى من السفاح وانهم أبناء السفاح وينتهى الجزء الثانى بمحنة خوف اليهود من وصل هتلر اليهم فى الاسكندرية فيفعل بهم كما فعل بمحرقة اليهود المعروفة ،  لذا انتهى النص الثانى (صال ) بتمنى اليهود ان تنتهى الحرب العالمية الثانية اللعينة دون ان يطالهم هتلر فى مصر . هناك شخصية أخرى هى الشخصية الضد لوصال هى نائلة زوجة مورجان العجوز العِنيّن حارس ضريح جون ( وهى الوجه المُكمّل للعاهرة الهادية فى الجزء الأول ) ، فنائلة تمارس البغاء علننا بمعرفة زوجها الذى يأخذ جزءً من حقه فى مال البغاء الذى تحصل عليه من زبائنها الذين تعاشرهم فى مهنتها اليومية البغاء التى لا تعرف غيرها ومن السفاح تنجب ابنها زكى الذى تنسبه إلى مورجان . ليصبح زكى مورجان الممثل الكوميدى ثم المهاجر الى دولة إسرائيل التى قويت بعد معاهدة السلام التى مكنهم الرئيس المؤمن محمد انور السادات من إقامتها .

ثم ياتى الجزء الثالث المُعنون بـ "جوهرة " أو يهودية ما بعد معاهدة السلام ، جوهرة حفيدة نظيرة وابنة السفاح بين وصال ومظلوم ، كنوع من التكافل تتربى فى بيت محسن الد الطفل كمال الذى احبته منذ طفولتها ويفضل فى الزواج عليها عايدة ابنة الباشا حسن بدوى فيتزوجها بعد يوليو 52 . جوهرة مجسدة لأفعال اليهود بعد معاهدة الرئيس المؤمن السادات مع اسرائيل تحتمى بالرئيس الذى آواه أبوها منير قبل يوليو حتى يصنع له القنابل التى سيكافح بها الفدائيون الانجليز . وبعد ان يصبح رئيسا للجمهورية تلتقيه جوهرة وتذكره بأيام الطابية ، ومن ثم تحصل على امتيازات منه نتيجة للايواء ابوها اليهودى له ولمعاهدته مع اسرائيل ومنحها شرعية التواجد وسط العالم العربى ومن ثم انشاء دولة اسرائية .

وإذا كانت الآية 28 من سفر التكوين تقرر :" وباركهم الرب وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وطير السماء ، وعلى كل حيوان يدب على الأرض" ، فإن جوهرة قد (فرحت بخطاب الرئيس عندما أعلن عن استعداده لزيارة إسرائيل ). (ص 502 )

فأصبحت الشخصية النسائية الأخيرة فى نص يهود الإسكندرية، يهودية ما بعد معاهدة السلام التى نفذت تلك الآية تماما بعد أن تحايلت على أهل الطابية كى تأخذ أرضهم فى نوع من الاحتلال لرجوع أمجاد عزبة جون وإقامة منطقة  لليهود عليها وكذلك اشتركت مع الدعباس تاجر الصنف المعروف وشغًلت أحمد بكر ابن اخ عشيقها القديم قاعود فى انتشار تجارة المخدرات بما يقرر حقيقة أن اليهود ابناء السفاح يدمرون ويخربون ويتسلطون على هلاك الأرض فى سبيل مباركة الرب حسب الآية 28 من سفر التكوين .

لا أحب مصطلح الرواية التاريخية بقدر ما أحبذ مصطلح الرواية التأريخية وهذا ما كتبه الكاتب الكبير مصطفى نصر الذى أرخ لتواجد اليهود وطريقتهم وحياتهم ومن ثم توغلهم واستيطانيتهم الاحتلالية التى يسلطونها كالجراد على أى ما تصل إليه أيديهم .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة